نام کتاب : رسالة الصاهل والشاجح نویسنده : المعري، أبو العلاء جلد : 1 صفحه : 59
ثم قال: خذي مني أخي حزينا، أولنا إذا غدونا، وآخرنا إذا استجبنا، ومطعم أبنائنا إذا شتونا، وفاصل خطة أعيت عليها، ولا يعد فضله لدينا.
ثم قال: أنا لقمان بن عاد، ابن عادية لعاد، أضطجع فلا أجلنظي، ولا تملأ رئتي جنبي. إن أر مطعمي فحداء تلمع، وإلا أر مطعمي فوقاع بصلع.
ألا ترى إلى قوله: سوى أنه ابن أمة، كيف عابه بذلك؟ وإنما تعاب الأمة إذا كانت مبتذلة. فأما إذا حصنها مولاها، فلا فرق بينها وبين الحرة، قال الشاعر:
وكائنْ تَرى فينا مِن ابنِ سَبِيّةٍ ... إِذا لَقِيَ الأَبطالَ يَضربُهم هَبْرا
فمَا زَادَها فينا السِّباءُ نِسائنا ... ولا احتَطبتْ يوماً ولا طبخت قِدْرا
ولكنْ خَلَطنَاها بِخَيْرِ نِسائنا ... فجاءَتْ بهم بِيضاً وجُوهُهمُ زُهْرَا
ورب سيد من القوم وملك عظيم ونبي عند الله كريم، قد ولدته الإماء. ولما فتح " قتيبة بن مسلم " بعض بلاد الأعاجم: الصغد أو غيرها من البلاد، وجد فيها امرأة شريفة من بنات بعض الملوك، فلما نظر إليها قال لأصحابه: " ما ترون في ابن هذه؟ أيكون هجيناً؟ " فقالوا: " من قبل أبيه ". يشهدون لها بالصراحة والفضل. فبعث بها إلى " الحجاج " وحملت إلى " الوليد بن عبد الملك " فولدت له " يزيد بن الوليد: الناقص " وكان من أفضل ملوكهم. وإنما سمى الناقص لأنه نقص أعطيات الجند. وقد كان " علي بن الحسين " رضي الله عنه. ابن أمة.
وزعمت أن أهل " بعل بك " لهم كروم كثيرة، وأن الرجل منهم لا يرى في كرم طول حياته.
فمن الذي ينوب عنهم في اتخاذ العنجد وعصر العنب واجتناء الثمرة؟ أرجال منهم أم نساء؟ إن كانوا يصونون نساءهم عن ذلك فلا بد من استعانتهم بقوم ليسوا منهم يجنون لهم ما أينع من الثمار، ويضعون ما قطف من العنب في الجوخان. ولقد وصفت هؤلاء القوم بضد ما وصف به " أبو محجن " نفسه فقال:
إِذا مِتُّ فادْفِنِّي إِلى جَنْبِ كَرْمَةٍ ... تُرَوِّي عِظامي في المماتِ عُروقُها
ولا تَدفِنَنِّي في الفَلاةِ فإِنني ... أَخافُ إِذا ما مِتُّ أَلاَّ أَذوقُها
وروى " الأصمعي " بإسناد له، أن قبر " أبي محجن " بإرمينية في كرم تحت الشجرة الرابعة منه، وكان غزا بإرمينية فمات هناك.
وزعمت أن الكوفة والبصرة ومصر يجوز أن يجتمعن بجوسية في يوم خميس أو جمعة.
وما علمنا أن أرضاً من الأرضين سارت من مكانها إلى سواه. وإنما قالوا: لا أفعل كذا ما رسا ثبير وما أقام عسيب. لعلمهم أن الجبال لا تنتقل. والأرض التي عليها الجبل، أولى بالثبات منه لأنها أثقل، ولأن الجبل ربما شبه بالراكب أو القائم وهما أقرب إلى المشي من الأرض المدحوة. ولم تزل الشعراء يدل كلامها على ثبات الأرض والجبال.
وليست " جوسية " أرض المحشر فتدعى أن غيرها يضهل إليها يوم القيامة، ولعلك تحتج بقول الشاعر الذي أنشده " أبو الغوث " بن البحتري " عن أبيه عن " حبيب بن أوس ":
أَبا جَبَلَيْ بَطْنِ العِدَانِ هل أنتما ... إِنِ احتملَ الأُلاَّفُ مُحتَمِلانِ
كأَنكما في الآلِ لَمَّا نهضتما ... حِصَانانِ فَاتَا الخيلَ مُطَّرِدان
كأَنَّهما قُدَّامَ جَيْشٍ طليعةٌ ... على جانب الحَوْمَاءِ يَرتَبئانِ
وقد زعَموا أَن العِدَانَ أَبوهما ... وأَنَّ إِلى الحَوْماءِ يعتزيانِ
وذاكَ أَبٌ بَرٌّ وأُمٌّ لَطِيفةٌ ... ولا صَبْرَ عن أَرضٍ بها أَبَوانِ
هكذا الرواية عن " أبي الغوث " وفي كتاب النسيب: وذاك أب فظ وأم غليظة، وفيه: الحرماء، مكان: الحوماء.
وفيه: العدان، بفتح العين.
فكأنك تظن أن قوله: هل أنتما إن احتمل الألاف محتملان دليل على أنهما ينهضان للرحلة. وهيهات! إنما هذه المقالة منه على سبيل الأسف والتقرير أنهما لا يظعنان أبداً، كما قال الآخر:
هل أنتَ ابنَ لَيْلَى إِنْ نظَرتُكَ رائِحٌ ... مع الركْبِ أَو غادٍ غَدَاة غدٍ مَعي؟
أي: إنك لا تبرح أبداً. وقال " لبيد ":
وهل عايَنْتَ من أَخَوَينِ دَامَا ... على الأَيامِ إِلا ابْنَي شَمامِ؟
وهما جبلان.
نام کتاب : رسالة الصاهل والشاجح نویسنده : المعري، أبو العلاء جلد : 1 صفحه : 59