فإذا تجرّد، شق بازله، ... وإذا أصاخ فإنّه بكر
خلّوا طريق الديدبون فقد ... ولَّى الصَّبا وتفاوت النَّجر
فما أردت بقولك: كشراب قيلٍ؟ الواحد من الأقيال؟ أم قيل ابن عتر من عاد؟ فيقول عمرو: الوجهين ليتصوّران. فيقول الشيخ، بلغه الله الأمانيَّ: ممّا يدل على أنَّ المراد قيل بن عتر، قولك: وجرادتان تغنيّانهم، لأن الجرادتين، فيما قيل، مغنِّيتان غنتا لوفد عادٍ عند الجرهميِّ بمكة، فشغلوا عن الطواف بالبيت وسؤال الله، سبحانه وتعالى، فيما قصدوا له فهلكت عاد وهم سامدون.
ولقد وجدت في بعض كتب الأغاني صوتاً يقال غنَّته الجرادتان، فتفكّنت لذلك، والصوت:
أقفر من أهله المصيف، ... فبطن عردة، فالغريف
هل تبلغنّي ديار قومي ... مهريَّة، سيرها تلقيف
يا أمَّ عثمان نوِّليني ... هل ينفع النّائل الطّفيف
وهذا شعر على قريِّ: أقفر من أهله ملحوب ومن الذي نقل إلى المغنين في عصر هارون وبعده أنَّ هذا الشعر غنَّته الجرادتان؟ إنّ ذلك لبعيد في المعقول، وما أجدره أن يكون مكذوباً.
وقولك: ومسفة دهماء داجنة، ما أردت به؟ وقولك: ومجلجل دانٍ زبرجده؟ فيقول ابن أحمر: أمّا ذكر الجرادتين فلا يدلَّ على أني خصصت قيل بن عترٍ وإن كان في الوفد الذي غنَّته الجرادتان، لأن العرب صارت تسمّي كلُّ قينةٍ جرادةً، حملاً على أنّ قينة في الدّهر الأول كانت تدعى الجرادة. قال الشاعر:
تغنِّينا الجراد، ونحن شرب ... نعلُّ الرّاح خالطها المشور