نام کتاب : سرور النفس بمدارك الحواس الخمس نویسنده : التيفاشي، أحمد بن يوسف جلد : 1 صفحه : 14
13 - أما الفلاسفة فإنهم متفقون على أن جميع أجرام العالم شفافة منيرة أو قابلة للنور مؤدية له، ما خلا كرة الأرض، فإنها كثيفة بذاتها، مظلمة [1] بطبعها، وإن الظلام الموجود في العالم إنما هو منها، وإن ذلك ذاتي فيها لا عرض لها، بل هو ملازم لها ملازمة الظلّ للشخص، والنور للشمس، والضياء فيها إنما هو عرض لها طارٍ على الظلام الذاتي الملازم. قال أبو معشر: الأرض لما وُجِدَت كانت مظلمة من جميع جهاتها، فما قابله منها نور الشمس انزاح الظلام عنه إلى الجهة التي لم تقابلها الشمس، فإذا دارت الشمس إلى الجهة الأخرى المظلمة أنارت وانزاح الظلام إلى الجهة التي كانت مضيئة، هكذا على الدوام.
14 - وأما المتشرعون فإنهم - على اختلاف مللهم - متفقون على تقديم الليل على النهار في الوجود، وفي نص التوراة في مفتتحها [2] : " أولُ ما خلقَ الله السمواتِ والأرضَ كانت تيهاً وتيهاً وظلامٌ على وجه الغمْر، وأرواحُ الله مرفرفةٌ على وَجْهِ الماء، وقال الله: يكونُ نور فكان النور، ورأى الله النور حَسناً، وفصل الله ببن النور وبين الظلام، فسمَّى عند ذلك النهار نهاراً والظلام ليلاً. وكان مساءٌ وما يليه، وصباحٌ وما يتبعه، الجميعُ يومٌ واحد ". هذا نص التوراة، وهو تصريح جلي. قوله (تيهاً وتيهاً) أي قاع صفصف خالية من العمران، والغَمْر ههنا الماء.
15 - قال الشيخ المصنف: ومن كتاب " فردوس البيعة " للقسّ أبي الفرج الطبيب [3] في العلة التي من أجلها خلق الله الظلمة أولا ومن بعدها النور، قال: لأن الفاعل الحكيم شأنه، أن يدرّج مفعولاته من النقصان إلى الكمال، ومثال ذلك تصيبره الجنس الآدمي - الذي هو علّة المخلوقات - آخر المخلوقات، فالواجب أن يجعل النور آخراً لأنه أشرف من الظلمة، ولكيما - إذا وجد النور - بانَ الملائكة الروحانيون به وهو ينظر شريف ما تقدم بخلقه من عظيم أفعاله، وكان هذا علة جاذبة [1] ص: ظلمة. [2] جاء في الاصحاح الأول من سفر التكوين: في البدء حلق الله السموات والأرض. وكانت الأرض خربة وخالية، وعلى وجه الغمر ظلمة، وروح الله يرف على وجه المياه. وقال الله ليكن نور فكان نور. ورأى الله النور أنه أنه حسن. وفصل الله بين النور والظلمة دعاها ليلاً وكان مساء وكان صباح يوماً واحداً. [3] لعله أبو الفرج بن الطيب من مشاهير أطباء القرن الخامس الهجري ببغداد، وكان متميزاً في النصارى (ابن أبي أصيبعة [1]: 239 - 241 ولم يذكر ((فردوس البيعة)) بين كتبه) .
ومن خلائقه مثل النسيم إذا ... يبدو إلى بصري أبهى من القمر
أثقلت ظهري ببر لا أقوم به ... لو كنت أتلوه قرآناً مع السور
أهديت لي الغرب مجموعاً بعالمه ... في قاب قوسين بين السمع والبصر [1] وفي مجلس ابن يغمور تعرف إلى كثير من الشعراء ومنهم سيف الدين المشد قريب ابن يغمور، كما كان كثير التردد على منزل جلال الدين المكرم - الذي سيأتي التعريف به. وفي القاهرة تعرف إلى ابن العديم حين حلها رسولاً، وأوقفه على شيء من تصانيفه، وأهدى إليه كتاباً من كتبه بخطه، وأنشده مقاطيع من شعره [2] .
وقد أصيب بالصمم في السنوات الأخيرة من عمره [3] ، فأصبح عرضة لسوء الظن في بعض ما يقال، وقد اتفق أن اجتمع يوماً بسيف الدين المشد، فتوهم أنه سمع منه كلاماً لا يليق به، فعاتبه، فقال المشد قصيدة يعرض فيها بعض مصنفاته، وأنه ينشئها " اختلاساً من كاتب وكتاب " [4] . وكذلك أصيب بعد ذلك بنزول الماء في عينيه حتى عمي، فقدحهما وأبصر واستأنف الكتابة، وعوفي، ثم شرب مسهلاً، وأعقبه بشرب آخر، فأدركه حمامه على أثر ذلك في الثالث عشر من المحرم سنة 651/ 16 مارس 1253 بالقاهرة [5] ، ودفن في مقبرة باب النصر. [2] - شخصيته وثقافته:
يقول ابن العديم مصوراً ما انطبع في نفسه من شخصية التيفاشي: " اجتمعت به القاهرة؟ فوجدت شيخاً كيساً ظريفاً "، وفي هاتين اللفظتين خلاصة السمات التي كان يتميز بها التيفاشي، فالكيس - وهو صفة قلما يوصف بها الشيوخ - صفة تشير إلى خفة وتوقد معاً، وتلحق بالظرف حتى تلتبس به، وصاحب هاتين الخلتين يكون بحسب مفهومنا اليوم " رجلاً اجتماعيا " يلابس الناس ويخف على نفوسهم، وهذا القبول الاجتماعي يصبح ضرورة إذا كان صاحبه " طُلَعَةً " - مثل التيفاشي - لا يفتأ يرود كل الميادين، ويواجه أصنافاً مختلفة من الناس، ويطرح مختلف الأسئلة، يتغلغل في صميم المشكلات، ويحاول أن يدرس [1] نفح الطيب 2: 325 وبغية الطلب 2: 160، وانظر ملحق هذه المقدمة. [2] بغية الطلب 2: 159 - 160. [3] انظر اختصار القدح: 212 ((فلم يسمعه لثقل كان في سمعه)) . [4] الوافي 8: 290 - 291. [5] بغية الطلب 2: 161.
نام کتاب : سرور النفس بمدارك الحواس الخمس نویسنده : التيفاشي، أحمد بن يوسف جلد : 1 صفحه : 14