يقول مخاطبًا الليل: فيا عجبًا لك من ليل كأن نجومه شدت بحبال من الكتان إلى صخور صلاب، وذلك أنه استطال الليل فيقول: إن نجومه لا تزول من أماكنها ولا تغرب، فكأنها مشدودة بحبال إلى صخور صلبة، وإنما استطال الليل لمعاناته الهموم ومقاساته الأحزان فيه، وقوله: بأمراس كتان، يعني ربطت، فحذف الفعل لدلالة الكلام على حذفه؛ ومنه قول الشاعر: [الطويل] :
مسنا من الآباء شيئًا فكلنا ... إلى حسب في قومه غير واضع
يعني فكلنا يعتزي أو ينتمي أو ينتسب إلى حسب، فحذف الفعل لدلالة باقي الكلام عليه، ويروى: كأن نجومه بكل مغار الفتل شدت بيذبل، وهذا أعرف الروايتين وأسيرهما. الإغارة: إحكام الفتل. يذبل: جبل بعينه.
يقول: كأن نجومه قد شدت إلى يذبل بكل حبل محكم الفتل.
48-
وَقِرْبَةِ أَقوامٍ جَعَلْتُ عِصامَها ... على كاهلٍ منِّي ذَلُولٍ مُرَحَّلِ
لم يروِ جمهور الأئمة هذه الأبيات الأربعة في هذه القصيدة وزعموا أنها لتأبّطَ شرًّا أعني: وقربة أقوام إلى قوله: وقد أغتدي، ورواها بعضهم في هذه القصيدة هنا. العصام: وكاء[1] القربة، الجمع العصم. الكاهل: أعلى الظهر عند مركب العنق فيه والجمع الكواهل. الترحيل: مبالغة الرّحل، يقال: رحلته إذا كررت رحله.
يقول: ورب قربة أقوام جعلت وكاءها على كاهل ذلول قد رحل مرة بعد مرة أخرى مني، وفي معنى البيت قولان: أحدهما أن تمدح أثقال الحقوق ونوائب الأقوام من قرى الأضياف وإعطاء العفاة[2] والعقل[3] عن القاتلين وغير ذلك، وزعم أنه قد تعود التحمل للحقوق والنوائب، واستعار حمل القربة لتحمل الحقوق ثم ذكر الكاهل؛ لأنه موضع القربة من حاملها وعبر بكون الكاهل ذلولًا مرحلًا عن اعتياده تحمل الحقوق. والقول الآخر أنه تمدح بخدمته الرفقاء في السفر وحمله سقاء الماء على كاهل قد مرن عليه. [1] الوكاء: ما يشد به رأس القربة. [2] العفاة: جمع العافي وهو طالب المعروف. [3] العقل: الدية.