ألقى صحيفته ونَجَّت كوره ... وجنا محمرة المناسم عرمس1
عيرانة طبخ الهواجر لحمها ... فكأن نقبتها أديم أملس2
وخرج طرفة حتى أتى صاحب البحرين بكتابه، فقال له صاحب البحرين: إنك في حسب كريم وبيني وبين أهلك إخاء قديم وقد أمرت بقتلك فاهرب إذا خرجت من عندي فإن كتابك إن قرئ لم أجد بدًّا من أن أقتلك، فأبى طرفة أن يفعله، فجعل شبان عبد القيس يدعونه ويسقونه الخمر حتى قتل.
وقد كان قال في ذلك قصيدته التي أولها: "لخولة أطلال"؛ انقضى حديث طرفة برواية المفضل؛ وذكر العتبي سببًا آخر في قتله، وذلك أنه كان ينادم عمرو بن هند يومًا فأشرفت أخته فرأى طرفة ظلها في الجام[3] الذي في يده فقال: [الهزج] :
ألا يا ثاني الظبي ... الذي يبرُق شنفاهُ
ولولا الملك القاعد ... قد ألثمني فاه
فحقد ذلك عليه، قال: ويقال إن اسمه عمرو وسمي طرفة ببيت قاله؛ وأمه وردة، وكان من أحدث الشعراء سنًّا وأقلهم عمرًا، قتل وهو ابن عشرين سنة فيقال له ابن العشرين. ورأيت أنا مكتوبًا في قصته في موضع آخر أنه لَمَّا قرأ العامل الصحيفة عرض عليه فقال: اختر قتلة أقتلك بها، فقال: اسقني خمرًا فإذا ثملت فافصد أكحلي، ففعل حتى مات، فقبره بالبحرين، وكان له أخ يقال له معبد بن العبد فطالب بديته فأخذها من الحوافر[4].
1 العرمس: الناقة الصلبة.
2 العيرانة: المرحة النشيطة، الهواجر: انتصاف النهار في شدة الحر، النقبة: محل الجرب. [3] الجام: إناء من فضة يشرب فيه. [4] الحوافر: الخيل.