قد أبقى لك الأين من جسمه ... نواشر سيد ووجها صبيحا
أربت لأربته فانطلقـ ... ـت أزجي لحب الإياب السنيحا
على طرق كنحور الركا ... ب تحسب آرامهن الصروحا
بهن نعام بناها الرجا ... ل تبقى النقائض فيها السريحا1
والأبيات تعطي الصورة لتوثق أواصر الصداقة بين الرجلين ومتابعة الشاعر للفارس في انطلاقته، وربما تبرر هذه الصداقة ما يروى من تلازمهما حتى ليكون ابن الزبير هو الذي يوسد الشاعر في ضجعته الأخيرة منصرفهما من غزوة إفريقية في بعض الروايات[2]. وقد قال الشاعر المجاهد وهو يستعد لرقدته الأخيرة واصفًا حفرته التي دفن فيها:
مطأطأة لم ينبطوها وإنها ... ليرضى بها فراطها أم واحد
قضوا ما قضوا من رمها ثم أقبلوا ... إلى بطاء المشي غبر السواعد
فكنت دنوب البئر لما تبسلت ... وسربلت أكفاني ووسدت ساعدي3
ولسنا نجد ظلا ولو باهتا يصور انسياح الفاتحين في إفريقية وفتحهم لبرقة وطرابلس وما بينهما وما حولهما كودان وفزان، اللهم إلا ما يتردد في كتب التاريخ من شكوى المسلمين من اختصاص الخليفة عثمان بن عفان لمروان بن الحكم بخمس الفيء الذي جاء من إفريقية، فيقول عبد الرحمن بن حنبل في هذا المعنى:
وأحلف بالله جهد اليمين ... ما ترك الله أمرًا سُدى
ولكن جعلت لنا فتنة ... لكي نبتلى بك أو نبتلي
دعوت الطريد فأدنيته ... خلافًا لما سنه المصطفى
ووليت قرباك أمر العباد ... خلافًا لسنة ما قد مضى
1 ديوان الهذليين ج1، ص135، 136، الأغاني "دار الكتب" ج6، ص266، وابن قتيبة ج2، ص635. [2] أسد الغابة ج5، ص189، الاستيعاب ص666، الخزانة ج1، ص203.
3 الشعر والشعراء ج2، ص640، 641.