ولكن سلطان فارس كان أكثر وضوحًا في البحرين وعمان؛ حيث كان من أبناء فارس عدد كبير استوطنهما، وعلت كلمته فيهما، لما كانت تمدهم به فارس من نفوذها وقواتها كلما خشيت ثورة العرب الخلص بهم، أو محاولتهم القضاء على سلطانها في ربوعهم. فليس عجبًا إذن أن تكون هذه البلاد آخر من دان بالإسلام على عهد الرسول صلى الله عليه وسلم في عام الوفود، وأن تكون أول من ارتد حين قبض، ثم تكون آخر من يعود إلى الإسلام بعد حروب طاحنة، تختم حروب الردة، وتعيد إلى البلاد العربية وحدتها الدينية، وتقيم فيها الوحدة السياسية.
كانت الثورات في الجنوب إذن أعنف مظاهر الانتقاض على الدين الجديد في بلاد العرب بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم. لكن اليمامة وما حاذى الخليج الفارسي من القبائل كان يتلظى ببذور الثورة في هذا العهد، وكان المسلمون على حذر ليظل سلطانهم قائمًا وكلمتهم مسموعة، فلا عجب إذن أن يكون ذلك أمر حواضر وبواد تبعد عن منزل الوحي بمكة والمدينة، تتصل بالفرس وتبادلهم التجارة وتقر لهم بتفوق الحضارة، بل لا عجب أن تكون للفرس يد خفية في تحريك هذه الحواضر والبوادي؛ لتنقض على الدين الجديد والسلطان الناشئ، ولكن المسلمين استطاعوا أن يعيدوا الأمر إلى نصابه، وأن يقضوا -في صرامة وحزم- على كل بواعث الفتنة قضاء مبرمًا.
عادت الألوية الظافرة إلى المدينة، إلا أن بعضها انساح في الأرض يؤمن تخوم شبه الجزيرة وأطرافها، فأقسام العلاء الحضرمي في البحرين بعد أن أرسل بانتصاره إلى الصديق، لا يخشى شيئًا إلا غارة قبائل البادية التي ألفت العزو والسلب، ودسائس الفرس الذين تقلص نفوذهم في جنوب الجزيرة. على أنه كان مطمئنًا بعض الشيء إذا انضم إليه قبل ذهابه إلى دارين من قبائل البحرين ومن الأبناء من كفوه مئونة ما يخشى. وكان عتيبة بن النهاس والمثنى بن حارثة الشيباني على رأس من انضم إليه، وقد قعدوا بكل طريق للمنهزمين، وللذين يعيثون في الأرض فسادًا. وتابع المثنى المسير على شاطئ الخليج الفارسي، يقاوم دسائس الفرس، ويقضي على أنصارهم من القبائل والأبناء، حتى بلغ مصب الفرات، فكان لبلوغه هذا المبلغ ولاتصاله بأرض العراق ولدعوته إلى الإسلام هناك أثر لا نبالغ إذا زعمنا أنه كان مقدم لفتح العراق.