الورع، وتعمم بعمامة التوكل. فلما رآني استخفى وراء شجرة بلوط، فناشدته الله أن يظهر فظهر. فقلت كيف تصبر على الوحدة في هذه القفار؟ فضحك وأنشأ يقول:
يا حبيب القلوب من لي سواكا ... إرحم اليوم مذنباً قد أتاكا
أنت سؤلي ومنيتي وسروري ... قد أبى القلب أن يحب سواكا
يا مرادي وسيدي واعتمادي ... طال شوقي متى يكون لقاكا
ليس سؤلي من الجنان نعيم ... غير اني أريدها لأراكا
ثم غاب، وعدت مراراً فلم أره. فسألت عنه فقيل لي إنه العباس المجنون له اكلتان في كل شهر من ثمر الشجر والعشب.
مان الموسوس
واسمه محمد بن القاسم
قال بكار بن علي: عزم صاحب الشرطة علي فالتمس مني من يناديه فأشرت إليه بمان الموسوس فأُحضر، فأمر به فأُدخل الحمام، وأُلبس ثياباً ثم أُدخل عليه. فقال السلام عليك أيها الأمير ورحمة الله. فقال وعليك السلام يا مان! قد آن لك أن تزورنا على شوقنا إليك. فقال أصلح الله الأمير الشوق شديد والمزار بعيد والود عنيد، والحجاب صعب والبواب فظ، ولو سهل لنا لأذن لسهلت علينا الزيارة. فقال محمد بن عبد الله بن طاهر صاحب الشرطة للحسن بن طالوت: ما أحسن ما يلفظ في تسهيل الاذن! فأمره بالجلوس فجلس. ودعا محمد بجارية تسمي بنوسة جارية ابن المقري وكان يحب سماعها، وكان أول ما غنت به:
ولست بناس إذ غدوا فتحملوا ... دموعي على الخدين من شدة الوجد
وقولي وقد زالت بعيني حمولهم ... بواكر تحدي لا تكن آخر العهد
فقال مان: أتأذن لي يا سيدي؟ قال في أي شيء يا مان؟ قال في استحسان ما