قال فأتعبوا أبدانهم وأحفوا دوابهم في طلب ميمون. وهو من أهل الكوفة ومسكنه بها. فدخل القائد الكوفة. فإذا هو جالس على مزبلة والصبيان حوله وهو يقول لهم، إنه لم تجر عليكم الأقلام، ولم تكتب عليكم الآثام، فانظروا أن لا تطيعوا إبليس عدوكم فإنه عدو أبيكم آدم عليه السلام من قبل وهو الذي أعانه بعد القضاء على الخروج من الجنة. وعليكم بأخلاق الصالحين والاقتداء بالمؤمنين، منهم الصديق ذو الحق المبين، ثم عمر الفاروق لم يكن عنده حق الله يزول، ثم عثمان ذو النورين. ثم علي الرضى سال السيف في المنافقين الأردياء. فإذا فعلتم ذلك كنتم مع الأولياء. ولم يزل يعظهم. فلما فرغ قالوا له هل لك في طعام طيب تأكله وثوب لين تلبسه؟ فقال كذبتم ما لهذا قصدتم ولا لهذا أردتم. إنما تريدون أن يحملوني أصحاب الحجاج إلى الحجاج وإنما جئتم في طلبي فلا تقيدوني ولا تغلوني فإني لكم سامع مطيع. فأحسنوا رفقته والمشي به فلما اشرف على بلد واسط قال له القائد إذا دخلت على الأمير فسلم عليه. قال فإذا لم أُسلم عليه؟ قال يقتلك. قال فإن أنا سلمت عليه وساءلني فصدقته الجواب. أيقتلني؟ قال نعم. قال فما كنت بالذي أُسلم على رجل عاص قتل أولياء الله ووالى أعداء الله. فهو بغيض للهز ثم دخل القائد فأخبره بخبره ففرح الحجاج وقال علي به فأُتي به. فوقف بين يديه صامتاً لم يتكلم وعليه عباءة قد شدها إلى عنقه. فاستحقره الحجاج لما رأى من نحالة جسمه وسوء حاله فأنشأ يقول:
إياك أن تزدري الرجال وما ... يدريك ماذا يجنه الصدف
نفس الجواد العتيق باقية ... فيه وإن من جسمه العجف
فالحر حرّ وإن ألمّ به ... الضر ففيه الحياء والأنف
فلما سمع الحجاج مقالته وشعره علم أنه حكيم. فقال من أنت؟ ومن أين أنت؟ قال عبد الله وابن عبيدة. قال فما منعك من السلام؟ قال ما كنت بالذي أُسلم ولو سلمت خفت أن لا ترد علي. قال ما اسمك؟ قال أما اليوم فميمون. وما