وقد تعب، فإذا سعدون قد عارضه وهو يقول:
هب الدنيا تواتيكا ... أليس الموت ياتيكا
فما تصنع بالدنيا ... وظل الميل يكفيكا
ألا يا طالب الدنيا ... دع الدنيا لشانيكا
فما أضحكك الدهر ... كذاك الدهر يبكيكا
فشهق الرشيد شهقة فخر مغشياً عليه ثم أفاق بعد أن فاته ثلاث صلوات.
قال ذو النون بينا أنا في أزفة مصر إذا أنا بسعدون المجنون وعليه جبة صوف جديدة مكتوب عليها خطوط قد أدخل رأسه فيها، فسلمت عليه فرد السلام، فقلت: قف يا أبا سعيد حتى أنظر ما على جبتك، فوقف، فقرأت على كمه الأيمن سطرين:
عصيت مولاك يا سعيد
ما هكذا تفعل العبيد
وعلى كمه الأيسر سطرين:
تباً لمن قوته رغيف ... يأتي به السيد اللطيف
يعصي إلهاً له جلال ... وهو به راحم رؤوف
ومن خلفه سطران:
كل يوم يمر يأخذ بعضي ... يذهب الأطيبان منه ويمضي
نفس كفي عن المعاصي وتوبي ... ما المعاصي على العباد بفرض
ومن بين يديه سطران:
أيها الشامخ الذي لا يرام ... نحن من طيبة عليك السلام
إنما هذه الحياة متاع ... ومع الموت يستوي الاقدام
وعلى عكازه مكتوب:
اعمل وأنت من الدنيا على وجل ... واعلم بأنك بعد الموت مبعوث