فقال: ما يبكيكم؟ أليس يكفي لي خيراً مما أخذ مني حبه وحب أنبيائه وصالح عباده وتقديم أبي بكر وعمر رضي الله عنهما ثم ولى هارباً.
قال سيف بن جابر خرجت يوماً إلى الجبانة في جنازة فلما دفناها جعلت أدور في المقابر فإذا أنا بعبد الرحمن بن الأشعث جالس بين قبرين واضع خده على ركبتيه وهو يقول: شردتني في البلاد، وطيرتني في الجبانين، وآنستني في القبور. ثم قال: استغفر الله أما اني أعلم أنك مأمورة ولو عصيت الله سلط عليك من هو شر منك علي. قال فقلت يا عبد الرحمن من تكلم؟ قال هذه المسلطة علي. قلت ومن هي؟ قال المرة. قلت فلو دعوت الله سبحانه رجوت أن يذهبها عنك. قال يا ابن جابر! ربما دعوت الله وربما سمع. وهو الفعال لما يشاء فإما دعائي فاستغاثة بالله وإما إمساكي فتسليم لأمر الله ورضى بقضائه. قلت أفلا أجلس معك أُؤنسك؟ قال لي لا. قد جعل الله تعالى أُنسي في الوحدة. كما جعل أُنسك في حلق الفقه. ثم قال يا سيف ابن سوار! أليس يروى أن مورقاً العجلي قال أني لأسأل الله تعالى حاجة منذ عشرين سنة، ما أُعطيتها، وما يئست منها. قلت بلى. قال لي وهو مغضب بارفع صوته يا سيف والله لو قطعني جذاماً وبرصاً لعلمت إن ذلك له وإنه الحكم العدل يفعل ما يشاء، ويحكم ما يريد.
فليت
قال محمد بن عبد الرحمن الكوفي كان لنا جار يقال له فليت وكان معتوهاً. وكانت له خالة وهي عجوز كبيرة قد أدركت عجائز الحي. فكنت أتحدث عندها وكان لها عقل ودين فكنت عندها ذات يوم، إذ دخل فليت فقلت له يا فليت: أيسرك أنك أمير المؤمنين؟ فقال لا فقلت ولم؟ قال يثقل ظهري، ويكبر همي، وتنسيني النعم ذكر ربي. قلت وفي الأرض عاقل لا يتمنى إنه خليفة! قال وفي الأرض عاقل يتمنى أنه خليفة.
قال محمد بن ثابت لقيت فليتاً فقلت له ما تشتهي؟ قال عصيدة فجئته بها وأدخلته