responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : فن المقال الصحفي في أدب طه حسين نویسنده : عبد العزيز شرف    جلد : 1  صفحه : 218
"لا يكاد يمتدح أستاذًا إلّا امتدح صوته, ولا يكاد يذمُّ معلِّمًا إلّا ذمَّ صوته1, وعندما نتقدم في الأيام نرى إلى أي حَدٍّ اعتماده على الصوت في تلقي العالم الخارجي، يلوّن وصفه للناس وللأشياء وللحياة2. وفي أول سطور الأيام نراه يذكر كيف كان يشحذ حاسة السمع هذه, فهو "يمدُّ سمعه حتى يكاد يخترق الحائط"3 ليسمع المنشد بعد أن أُرْغِمَ على أن يكون شيئًا ملقى في البيت، وعندما كان ينصِتُ لأول مرة لشيخ أخيه وهو يلقي درسه يقول: "اجتمعت شخصية الصبي كلها حينئذ في أذنيه"4.
ومن أهم آثار هذا الظَّرْف البصري، ما يتعلق بتصحيح مفهوم اللغة تصحيحًا يخلِّصُها من ذلك التصور الخاطئ الذي يراها صورًا ورموزًا تقرأ بالعين فحسب، كنتيجةٍ لاعتماده على حاسَّةِ السمع[5]، كما تَقَدَّمَ, وهو الأثر الذي يجعل لغة الأيام لغة فصيحة موسيقية، رغم واقعية التصوير، ذلك أن هذه اللغة التي يجربها على ألسنة نماذجه لا يجد القارئ فيها شيئًا من الغضاضة أو التكلُّف الذي يقلل تقليلًا واضحًا من صفة الواقعية[6]، وهو الأمر الذي يرتبط بقدرته الفَذَّةِ على تطويع اللغة لمقتضيات الفن المقالي.
ويتوسَّلُ طه حسين باللغة الطَّيِّعة، والأسلوب الاعترافي الجديد, وواقعية التصوير توسُّلًا وظيفيًّا في مقاله، من خلال النمذجة الصحفية، التي تمتاز كذلك بالاهتمام البالغ بتصوير النفس الإنسانية في كل موقف من المواقف التي تعرض لنماذجه, ثم هو أبرع كاتب ييهئ الجو من الناحية النفسية لكي يتمكَّن قارؤه من أن يتابع القراءة, وهو يعتمد في كل ذلك على ما وهبه خالقه من عمق المشاعر، واتساع العواطف، ورحابة النفس، والقدرة على النمذجة الصحفية, كما يعتمد أخيرًا على قدرته على ما يُسَمَّى "بالتأمل الباطني", حتى لكأنَّ نفسه الباطنة دنيا كبيرة، أو مسرح ضخم يستطيع أن يكون فيه مخرجًا لشتى الروايات التمثيلية الإنسانية الخالدة.
وذلك إلى جانب النمذجة الكاريكاتيرية الساخرة للمجتمع التقليدي البغيض إلى فكره، وما هي "إلّا أيام حتى سَئِمَ لَقْبَ الشيخ, وكره أن يدعى به، وأحسَّ أن الحياة مملوءة بالظلم والكذب, أو أن الإنسان يظلمه حتى أبوه، وأن الأُبوَّةَ والأمومة لا تعصم الأب والأم من الكذب والعبث والخداع"[7]. والأخ الأزهري الأكبر منصرف عن الفتى إلى أصحابه وكتبه، لا يحسُّ آلامه حتى يدفعه دفعًا إلى أن يجهش بالبكاء، والآخر يكذب ويتنَكَّر ويستولي على

1، 2، 3، 4 المرجع نفسه ص23, الأيام جـ1 ص144.
[5] الدكتور عبد الحميد يونس: مرجع سبق ص68.
[6] الدكتور عبد اللطيف حمزة: مرجع سبق ص187.
[7] الأيام جـ1 ص38.
نام کتاب : فن المقال الصحفي في أدب طه حسين نویسنده : عبد العزيز شرف    جلد : 1  صفحه : 218
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست