نام کتاب : فن المقالة نویسنده : محمد يوسف نجم جلد : 1 صفحه : 28
للأبناء" و"الكتب" و"القسوة" و" من أشبه أباه فما ظلم". وهي تظهرنا على أن مونتين لم يعد قانعا بجمع تلك الفرائد والأقوال المأثورة، التي كانت تسقط في ساحته أثناء تمرسه بعملية القراءة والاقتباس، بل انتقل إلى مرحلة جديدة قوامها التأمل العميق في الموضوعات الخلقية والنفسية. إلا أنه لم يتنازل عن الأمثال وجوامع الكلم مرة واحدة، بل أخذ يختار منها ما كان صالحا للتضمين في كتاباته، ولجمع شتات أفكاره، ثم يرصع بها بعض الصور والحوادث التي يستمدها من ملاحظاته الخاصة وتجاربه الشخصية. ونحن نجد مصداق ذلك في مقالته عن "تربية الأولاد"، فقد استهلها بمبدأ عام يحدد القاعدة الأساسية التي ينبغي أن يستند إليها في تربية الأولاد. ثم انتقل إلى الحديث عن تربيته الخاصة، وعن بعض الأحداث التي مرت به أثناءها.
وهكذا أخذ مونتين يغلب العنصر الشخصي في كتاباته على العناصر التي كانت ترفده من قراءاته المختلفة. ولكنه في معرض حديثه عن تجاربه الخاصة، لا ينسى أن يدعم أفكاره ببعض الأقوال المأثورة, والحكم الجارية مجرى المثل. وتمتاز مقالاته في الطور الثاني بأنها كانت أطول من سابقاتها، وبأنه لم يكن فيها حريصا على التصميم المحكم والتنسيق الدقيق، شأنه في محاولاته الأولى؛ لأنه أصبح يحس الآن بأنه امتلك ناصية الفن، وشق طريقه الخاصة فيه، فله أن يجيل قلمه في شتى الموضوعات بحرية وانطلاق وتدفق.
وفي سنة 1580 جمع تلك الفصول التي كان قد كتبها، وعدتها أربعة وتسعون، ونشرها تفي بوردو في جزأين، وسماها "محاولات". وقد نبه القارئ في مقدمته التي كتبها، بأنه إنما يصور نفسه أو شرائح منها، في هذه الشذرات التي يعنى بنشرها على الناس.
نام کتاب : فن المقالة نویسنده : محمد يوسف نجم جلد : 1 صفحه : 28