responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : في الأدب الحديث نویسنده : الدسوقي، عمر    جلد : 1  صفحه : 158
ب- مميزاته:
إذا كانت الأحداث السياسية وتقلباتها الكثيرة، والثورات العنيفة، ويقظة الشعوب الشرقية والإسلامية، قد وضعت أمام الكُتَّاب مادةً خصبةً غزيرةً، وجعلتهم يخوضون في شتَّى الموضوعات؟ وإذا كانت الحال الاجتماعية، وما عليه الناس من فقرٍ وجهلٍ ومرضٍ وانحلالٍ قد دعت زعماء الإصلاح الاجتماعي إلى تشخيص الداء ووصف الدواء، وحَثّ الهمم على التخلص من تلك الرذائل, فإن ثمة عوامل أخرى نهضت بالنثر من حيث أسلوبه وألفاظه، وقد مر بنا ما قدمته حكومة إسماعيل للنهضة الأدبية من وسائل: كالمدارس والمكتبات العامة، وانتشار الصحف، وتشجيع المطابع على إيحاء تراث الآباء والأجداد، والقيام بترجمة شيء من أدب الغرب، وقد أضفى كل هذا على النثر طابعًا خاصًّا، فخلصه في الغالب من المحسنات البديعية التي كانت شائعةً في الكتابة الديوانية, وصرف الأدباء همهم إلى العناية بالمعاني لا إلى الألفاظ، اللهم إلّا في الموضوعات الأدبية البحتة، وخلا النثر من المبالغات الممجوجة, والأخيلة السخيفة، وانصرف عن المقدمات الطويلة التي كثيرًا ما تستهلك جهد الكاتب والقارئ جميعًا دون بلوغ الغرض الذي سيق له الكلام.
وكان من أثر هذا كذلك تغير طريقة الكتابة تبعًا لتغير طريقة التفكير: من تقصير الجمل، وفصل العبارات، وحبس كل واحدة منها على أداء معنًى واحد، واعتماد لون طريف في ترتيب الكلام وتبويبه، وسوق المقال في الغالب لأداء فكرة واحدة، واستحداث صيغ جديدة لأداء معانٍ جديدةٍ، والتجويز بكثير من المفردات لإصابة ما لا تطوله بأصل الوضع اللغوي.
ولقد رأيت من النماذج التي سقناها إليك أن موضوع هذا النثر، اجتماع، أو سياسة, أو أدب، ولقد تميز كل نوع من هذه الموضوعات بسماتٍ عامَّةٍ اقتضاها روح الموضوع وطريقة علاجه.

للأغراض القومية أي تأثير عليه، وقد زاد نفوذ الأجانب، وقامت الثورة العرابية، ونكبت مصر بالاحتلال، ولم يسمع له كلمة تعبر عن هذه الأحداث، ولم يتألم لألم وطنه وذلته, كما تألم الشدياق، وأديب إسحاق، وعبد الله النديم، وجمال الأفغاني, وغيرهم، وما ذلك إلّا لأنه كان مثال الموظف الديوانيّ المخلص، البعيد عن الاشتغال بالمسائل العامة، والأمور الهامة.
ومن الأسلوب المرسل الذي تأثر فيه رجال الصحافة لعهده، ولا سيما أسلوب الجوائب, قوله من رسالة بعث بها إلى المرحوم عبد الله أبي السعود صاحب جريدة "وادي النيل":
"قد كنت وعدت فيما حررته سابقًا أني أكاتب حضرتكم بعد بما تيسر على حسب الإمكان، ومساعدة الزمان، والآن أريد أن أخبركم بمحاورة جرت بيني وبين بعض المتورعين من الناس فيما يتعلق بصحيفة "وادي النيل" وكتاب الجغرافية المطبوع في وريقاتها, وذلك أني رأيته ينكر على حضرتكم بعض المباحث المندرجة في ذلك الكتاب؛ ككون الأرض كرة، والقبة السماوية متخيلة، وما قيل في كيفية الكسوف والخسوف, ونحو ذلك، بعد اعتراف منه بأن الكتاب المذكور كتابٌ مناسب في موضوع مهم تدعو إليه الحاجة لمعرفة مواقع البلاد ومحالها, وأقسام الأرض وأحوالها، فإن هذا لا تنكر مزيته وفائدته في السياحة والتجارة وأمور التمدن والحضارة، فقلت له: قد علمت أن منشيء "وادي النيل" ليس مؤلف الكتاب المذكور، وإنما هو مترجم له، والمترجم ناقل ليس عليه عهدة ما ينقله، وإنما يلزمه صحة النقل، وتوفية حق الأداء على صحته، ولا يلزمه ما يترتب على الأصل المنقول عنه من نقدٍ ومؤاخذةٍ بعد عزوه لأصله، ونسبته إلى قائله، فلو سلم أن جميع تلك المباحث مما ينكر, فما عليه شيء من ذلك، فقد قالوا: إن ناقل الكفر ليس بكافر ... إلخ[1] وهي رسالة طويلة تقع فيما يقرب من عشرين صفحة.
ومن نثره المرسل كذلك قوله في تقريرٍ عن رحلته إلى استوكهلم؛ حيث حضر مؤتمر المستشرقين:

[1] راجع الآثار الفكرية 221-222.
نام کتاب : في الأدب الحديث نویسنده : الدسوقي، عمر    جلد : 1  صفحه : 158
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست