responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : في الأدب الحديث نویسنده : الدسوقي، عمر    جلد : 1  صفحه : 177
وأصدقائه، ويتذكر أيام شبابه, وأويقات أنسه, وما آَلَ إليه حاله، ووجد في الشعر عزاءً أيَّ عزاءٍ، وصار أمامه في العالم العربيّ دون منازع، ولكن طول النفي أورثه السقام والعلل، فكُفَّ بصرُه, وضَعُفَ سمعه، ووهن جسمه، ولست أجد أروع ولا أوفى من قوله يصف ما أصابه:
كيف لا أندب الشباب؟ وقد ... أصبحت كهلًا في محنةٍ واغتراب
أََخْلَقَ الشيبُ جدتي وكساني ... خلعةً منه رَثَّةَ الجلبابِ
ولوى شعر حاجبيّ على عيني ... حتى أطلَّ كالهداب
لا أرى الشيء حين يسنح إلّا ... كخيالٍ كأنني في ضباب
وإذا ما دعيت حرت كأني ... أسمع الصوت من وراء الحجاب
كلما رمت نهضة أقعدتني ... ونية ولا تقلها أعصابي
لم تدع صولة الحوادث مني ... غير أشلاء همة في ثياب
وزاد أمره بؤسًا أن الموت تخطف ابنته وزوجه الأولى وأصحابه، فابتدأ الفناء يدب إليه، هنالك رأى أول الأمر أن يعود المنفيون إلى أوطانهم، وعاد البارودي معهم "أشلاء همة في ثياب" كما يقول، ولكن جاء وفي يمينه سفر الخلود، وهو ذلك الشعر العلويّ، وكان ذلك في سنة 1900, واستقبل مصر بقصيدته:
أبابل مرأى العين أم هذه مصر؟ ... فإني أرى فيها عيونًا هي السحر
واستقبلته مصر بكل حفاوةٍ وترحابٍ، وكانت عودته عيدًا للأدب الرفيع، وصارت داره ندوة يؤمها الأدباء والشعراء القدامى والشادون فيه، يأنسون إليه، ويأنس إليهم، وعكف على تنقيح ديوانه، وحذف ما لا يروق له منه، وتدوين مختاراته وترتيبها، وأخيرًا فاضت روحه إلى بارئها، وأسلم هذه الشعلة المتوهجة في ديسمبر 1904م-شوال 1322هـ, إلى الأجيال من بعده, يتلقفها كابر عن كابر, وكلهم يذكر فضله ويمجد ذكره؛ لأنه أورثهم شعلة خالدة.

نام کتاب : في الأدب الحديث نویسنده : الدسوقي، عمر    جلد : 1  صفحه : 177
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست