نام کتاب : في الأدب الحديث نویسنده : الدسوقي، عمر جلد : 1 صفحه : 184
كانت عند البارودي الملكة الكامنة، والملكة وحدها لا تكفي، بل لابد لها من عدة تصقلها وتنميها، وتعدها للبروز ناضجةً قادرةً خالقةً، ودراسة البارودي الأدبية قد غذت هذه الملكة غذاءً كاملًا، لا من دواوين الشعراء وحدهم، بل من كتب الأدب وطرائف القصص، وأخبار العرب, وقبائلهم, وشجاعتهم, وعدائيهم, وأمثالهم, وحكمهم، وغير ذلك مما لا يستغني عنه أديب، والأدلة على هذه المعرفة متوفرةٌ في ديوانه[1].
كانت إذًا قراءة كتب الأدب والتاريخ وحفظ الشعر المنتقى الجيد, هي عماد ثقافته الأدبية، على أن البارودي قد اطَّلَع على آدابٍ أخرى غير الآداب العربية، فقد مر بنا أنه أنه حينما ذهب إلى الآستانة وهو في شبابه، والتحق بوزارة الخارجية, عكف على دراسة التركية والفارسية، ونظم الشعر بهما كما كان ينظمه بالعربية. أضف إلى هذا ما روي من أنه تعلَّم الإنجليزية وهو في منفاه وترجم بعض آثارها، وهذه اللغات المتعددة لها أثرها ولا ريب، في معانيه وأخيلته، وتصويره للحوداث. [1] من مثل قوله:
لك عرض أرق نسجًا من الريح ... وأوهى من طليلسان "ابن حرب"
وكان ابن حرب أهدى إلى الحمدوني طيلسانًا خلقًا، وكان الحمدوني يحفظ قول أبي حمران السلميّ في طيلسانه.
يا طيلسان أبي حمران قد برمت ... بك الحياة فما تلتذ بالعمر
في كل يوم له رفا يجدده ... هيهات ينفع تجديد مع الكبر
إذا ارتداه لعيد أو لجمعته ... تنكب الناس لا يبلى من النظر
فاحتذى الحمودني حذو أبي حمران، وقال في وصف طيلسانه ما يقرب من مائتي مقطوعةٍ من مثل قوله:
يا ابن حرب كسوتني طيلسانًا ... مل من صحبة الزمان وصدا
طال ترداده إلى الرفو حتى ... لو بعثناه وحده لتهدى
ومما يدل كذلك على سعة اطلاع البارودي قوله:
إن شوقي إليه أسرع شأوا ... من "سليك والصول في بطء "فند"
وأمر سليك بن سلكة معروف، أما فند "بكسر الفاء" فهو مولى عائشة بنت سعد بن أبي وقاص، وكانت قد أرسلته ليأتيها بنار، فوجد ثومًا يخرجون إلى مصر فتبعهم، وأقام بها سنة، ثم قدم فأخذا نارًا, وجاء بعدو, فتعثر وتبدد فقال: "تعست العجلة" فقيل: "أبطأ من فند".
نام کتاب : في الأدب الحديث نویسنده : الدسوقي، عمر جلد : 1 صفحه : 184