نام کتاب : في الأدب الحديث نویسنده : الدسوقي، عمر جلد : 1 صفحه : 190
سيبقى به ذكري على الدهر خالدًا ... وذكر الفتى بعد الممات خلود
يقول:
سيذكرني بالشعر من لم يلاقني ... وذكر الفتى بعد الممات من العمر
هذا، وفي شعر البارودي هنات، وعليه مآخذ قليلة, سنذكرها في موضعها من هذا الفصل، بيد أنها تزري به ولا تغض من شأنه؟ حسبه أنه سما بالشعر العربيّ إلى الذروة، وأنه حلَّق في السماء التي جاب آفاقها من قبل بشار وأبو نواس والبحتريّ وأبو تمام والمتنبي وأبو فراس وأضرابهم، بعد أن وصل الشعر العربيّ قبيل عهده إلى الحضيض, وكاد يلفظ أنفاسه الواهية.
والآن، علينا أن نتعرف على هذا الشعر الذي مدحه وافتخر به، وصقله وهذبه، لنرى أمحقٌّ هو في الثناء عليه، أم هو غرور شاعر زَيَّنَ له خياله الباطل حقًّا، والسيء حسنًا؟ ولنرى القديم والجديد في شعره، ومنزلته في موكب الأدب العربيّ، وهل كان صدًى للشعراء الذين عارضهم وجاراهم في مضمارهم, أو أنه استقلَّ وابتكر وخرج على المألوف، وتكونت له شخصية يذكره التاريخ غير معتمدة على سواها؟ وهل هي شخصية قميئة هزيلة؟ أو شخصية قوية فارعة ذات مزايا واضحة؟
أ- القديم في شعره:
1- لم يجدد البارودي في أغراض الشعر التي عرفها شعر العصر العباسيّ, فهو يمدح ويصف، ويهجو، ويرثي، ويعتب، ويفتحر..إلخ ما هناك من أغراض معروفة مألوفة، ويا ليته وقف عند هذا، فقد تكون الأغراض قديمة والمعاني جديدة، ولكنه حاكى القدماء أحيانًا في أسلوبهم, كما حاكاهم في أغراضهم، وقد بلغ به التقليد حدًّا نسي معه أنه في مصر, وأنه بعيدٌ عن نجد ورباها ووديانها وآرامها وخمائلها، فقال:
يا سعد قل لي فأنت أدرى ... متى رعان العقيق تبدو1
أشتاق نجدًا وساكنيه ... وأين منِّي الغداة نجد
1 العقيق: الوادي, وكل ميل شقه ماء السيل، مواضع بالمدينة والطائف واليمامة ونجد، والمقصود هنا عقيق نجد.
ورعان: جمع رعن "بفتح فسكون"وهو أنف يتقدم الجبل.
نام کتاب : في الأدب الحديث نویسنده : الدسوقي، عمر جلد : 1 صفحه : 190