نام کتاب : في الأدب الحديث نویسنده : الدسوقي، عمر جلد : 1 صفحه : 202
ا3- وإذا أردت أن تعرف متى يحلق البارودي في الوصف، فاقرأ أوصافه في الأشخاص, إنه لا يقل عن أمهر مصور، بل أين منه المصور؟ وهو لا يستطيع أن يبرز على "لوحته" دخائل النفوس، وأسرار القلوب والحركات والإشارات، وكذلك أوصافه للمعارك وميادين القتال وأدواته، وإذا كان وصف الحروب من الموضوعات القديمة التي تناولها قبله الشعراء، فإن تصوير الأشخاص من الموضوعات النادرة التي مر فيها قلةٌ من فحول الشعر العربيّ كابن الرومي، واسمعه يصف البلغار في بلادهم, حين ذهب مع الحملة المصرية لحرب الروس:
بلاد بها ما بالجحيم، وإنما ... مكان اللظى ثلج بها وجليد
تجمعت البلغار والروم بينها ... وزاحمها التاتار، فهي حشود
إذا راطنوا بعضًا سمعت لصوتهم ... هديدًا تكاد الأرض منه تميد
قباح النواصي والوجود كأنهم ... لغير أبي هذا الأنام جنود
سواسية ليسوا بنسل قبيلة ... فتعرف آباء لهم وجدود
لهم صور ليست وجوهًا وإنما ... تناط إليها أعين وخدود
يخورون حولي كالعجول، وبعضهم ... يهجن لحن القول حين يجيد
فهو يصف رطانتهم وعجمة ألسنتهم، وقبح وجوههم ورءوسهم, حتى كأنهم ليسوا من البشر، وأن وجوههم متشابهةٌ لا تستطيع التفريق بينها، بل لا يريد أن يعترف بأنه لهم وجوهًا, إنما هي صور وضعت فيها أعين وخدود، ويخورون حوله كالعجول، وإذا حاول بعضهم النطق بالعربية أفسدها.
نام کتاب : في الأدب الحديث نویسنده : الدسوقي، عمر جلد : 1 صفحه : 202