نام کتاب : في الأدب الحديث نویسنده : الدسوقي، عمر جلد : 1 صفحه : 219
ج- النسيب:
وقد مَرَّ بنا أن البارودي قد قلَّدَ القدماء في الوقوف على الأطلال والدمن، وفي الأوصاف الموروثة، وفي الوصف الماديِّ للمرأة والنظرة إليها نظرة السلعة، ولكنه مع هذا قد تحلَّلَ أحيانًا من كل تلك القوالب القديمة، وترَفَّعَ في نظرته إلى المرأة، فحسبه منها نظرة:
إني لأقنع من هواك بنظرةٍ ... وأعدها صلةً إذا لم تمنعي
هذي مناي وحبذا لو نلتها ... عن طيب نفسٍ فهي أكبر مقنع1
وهو يمتدح بعفته في حبه, ويبين مذهبه في الوداد بقوله:
إني امرؤ ملك الواد قيادتي ... وجرى على صدق العهود وفائي
لا أستريح إلى السلو، ولو جنى ... خِلِّي عليَّ، ولا أشين ولائي
لا ذمتي رهن الفكاك ولا يدي ... تلقى أزمة عفتي وحيائي
ويقول:
على أنني لم آت في الحب زلة ... تغض بذكري في المحافل أو تزري
ولكنني طوفت في عالم الصبا ... وعدت ولم تعلق بفاضحة أزري
ويقول:
والعشق مكرمةٌ إذا عفَّ الفتى ... عمَّا يهيم به الغويّ الأصور2
1 المعنى قديم, طرقه من قبلُ جميل في قوله:
وإني لأرضى من بثينة بالذي ... لو أبصره الواشي لقرت بلابله
بلا، وبألا أستيطع وبالمنى ... وبالأمل المرجوّ قد خاب آمله
وبالنظرة العجلى وبالعام بنقضي ... أواخره لا نلتقي وأوائله
ولكن البارودي كان في عصر ماديٍّ لا يفطن إلى هذا، وقد سبقه آلاف الشعراء منذ جيلٍ لم يقنعوا قناعته.
2 الأصور: المنحرف عن الهدى والرشاد من الصور وهو الميل.
نام کتاب : في الأدب الحديث نویسنده : الدسوقي، عمر جلد : 1 صفحه : 219