نام کتاب : في الأدب الحديث نویسنده : الدسوقي، عمر جلد : 1 صفحه : 221
بئس العشير وبئست مصر من بلد ... أضحت مناخًا لأهل الزور والخطل
أرض تأثل فيها الظلم وانقذفت ... صواعق الغدر بين السهل والجبل
من نوع الهجاء الاجتماعي، والمقطوعة التي ذمَّ فيها النهم والجشع من الهجاء الشخصي, وإن لم يظهر فيها أمرًا شخصيًّا, أو عداوةً خاصةً على هجائه, وإنما ذمه بعيب عامٍّ, وهو الجشع والنهم.
ومن النوع الاجتماعي: قوله يذم زمانه وينعى على معاصريه تلونهم وعدم وفائهم في صداقتهم، ولا سيما وقد خذوله وآذوه:
أنا في زمانٍ غادرٍ ومعاشر ... يتلونون تلون الحرباء
أعداء غيب ليس يسلم صاحب ... منهم وأخوة محضر ورخاء
أقبح بهم قومًا بلوت إخاءهم ... فبلوت أقبح ذمة وإخاء
قد أصبحوا للدهر سبة ناقم ... في كل مصدر محنة وبلاء
وأشد ما يلقى الفتى في دهره ... فقد الكرام وصحبة اللؤماء
شقي ابن آدم في الزمان بعقله ... إن الفضيلة آفة العقلاء
فهو هنا لا يذم شخصًا بعينه لعداوةٍ خاصةٍ بينه وبينه، وإنما يذم عيبًا اجتماعيًّا متفشيًا، ولو تناول هذا العيب شاعر غربيٌّ لأظهر لنا شخصية المنافق في مسرحية شائقة, ولأوسعه سخريةً وتهكمًا, ولكن البارودي أوجز في وصفه على عادة العرب؛ على أن له قطعًا تصويرية جميلة في هذا النوع الاجتماعيّ, اسمعه مثلًا يصور جارة تكثر من الصخب والضوضاء، ولها أولاد يتشاجرون كثيرًا، ويملئون الجوَّ صراخًا وعويلًا، لا تراعي هذه الجارة حرمة الجيران، ولا تعبأ براحة سواها، ومن العجيب أن هذا العيب لا يزال متنشرًا في كثيرٍ من بلدان الشرق بدعوى الحرية الكاذبة، فترى الجار يقلق راحة جاره بشتَّى الوسائل؛ فتارةً بالمذياع، وأخرى بمكبرات الصوت أو بالمشاجرة مع أهله وأولاده.. إلى آخر ما هنالك من أنواع المضايقات، والبارودي أديب ومفكر، وقد ابتلاه الله بجارةٍ مقلقةٍ للراحة تبدد ضوضاؤها، وجلبتها أفكاره وخيالاته, فلا بدع إذا سخط عليها وبرم بها:
نام کتاب : في الأدب الحديث نویسنده : الدسوقي، عمر جلد : 1 صفحه : 221