نام کتاب : في الأدب الحديث نویسنده : الدسوقي، عمر جلد : 1 صفحه : 225
قد يبدو على بعض هذه الأبيات شيءٌ من التكلف، ولكن البارودي ما كان ليستطيع أن يبتعد عن استخدام هذه المخترعات في شعره، وهو الولوع بالتجديد في الشعر, الحريص على أن يمثِّلَ زمانه تمام التمثيل.
ج- نظرة عامة:
رايت مما سبق أن البارودي حاول أن يجدد في الشعر العربي من حيث الموضوعات التي تناولها، ولا سيما في الوصف، وفي الشعر السياسي، ورأيت أن الوصف قد تناول نواحي عدة: من وصف للطبيعة، والأشخاص، وميادين القتال، والأشياء، وأن وصف البارودي كان في الغالب وصفًا حسيًّا يقف عند التصوير المشوب بشيءٍ من العاطفة دون أن يتعمق فيه، ويحلل ويوازن ويتخيل، وأن موصوفاته كانت كذلك من المشاهدات غالبًا، ولم يحاول وصف الأمور المعنوية والنفسية إلّا قليلًا؛ ومع ذلك, فالبارودي بإفراده قصائد خاصة بالوصف, وبمحاكاته الطبيعة في شعره، وإتيانه بالأدب الواقعيّ المجرد من العواطف والأخيلة إلّا القليل، قد فتح فتحًا عظيمًا في الشعر العربيّ، ونفض عنه غبار السنين الطويلة، وعرض القديم عرضًا جديدًا شائقًا جذابًا، ومهَّدَ الطريق لمن أتى بعده من الشعراء، ناهيك بأسلوبه الفخم الجزل، وبعده عن الزخارف والحلى التي تطغى على المعنى وتذهب ببهاء الشعر، وتدعو إلى التكلف والتعسف.
ومن أهم مزايا الباروديأنه كان بعيدًا عن التكلف، بل كاني ينطلق في سجيته، ويظهر كل ما في نفسه، ويصور مشاعره السارة والحزينة دون إخفاء أي شيء منها، وقد يغلبه التقليد للقديم أحيانًا فيخالف طبعه، ويسير على غير سجيته، ويتكلَّف القول محاكيًا القدماء، وتلمس أثر هذا التكلف واضحًا ليس عليه طابع البارودي ولا شخصيته، وقد مر بنا عند الكلام على القديم في شعره نماذج من هذ الطراز.
وهناك أغراض تقليدية قال فيها الشعراء منذ عصر امرئ القيس، وقال فيها البارودي كذلك مثل: الرثاء والمدح والحكمة وما شاكل هذا. ولا نستطيع أن نختم الكلام على البارودي قبل أن نرى موقفه من هذه الأغراض.
نام کتاب : في الأدب الحديث نویسنده : الدسوقي، عمر جلد : 1 صفحه : 225