نام کتاب : في تاريخ الأدب الجاهلي نویسنده : الجندي، علي جلد : 1 صفحه : 206
لغة العدنانيين، بالرجوع إلى المصدر الأساسي الذي جاء فيه هذا النص، تبين أنه هكذا: "ما لسان حمير وأقاصي اليمن بلساننا، ولا عربيتهم بعربيتنا"[57] وليس كما جاء في استدلال الدكتور طه حسين إذ أورده هكذا: "ما لسان حمير بلساننا ولا لغتهم بلغتنا"[58] والفرق بين العبارتين واضح، فالنص في العبارة الثانية يفهم منه أن لسان حمير غير لسان العدنانيين، وأن لغتهم غير لغة العدنانيين، كأن كلا منهما لسان خاص، ولغة مغايرة للأخرى. في حين أن العبارة الأولى تفيد أن كلتا الاثنتين عربية، فهما لغة عربية، وأن الاختلاف بين هاتين الأختين مقصور على الأماكن المتطرفة النائية من بلاد اليمن فقط.
ثم إن تسليم الدكتور طه حسين بأن اللغة الفصحى سادت في جميع القبائل اليمنية بعد الإسلام، دليل على التقارب الشديد بين هاتين اللهجتين، قبل الإسلام بوقت كاف، إذ من غير المعقول أن يحدث ذلك بحيث يستطيع الكتاب والأدباء أن ينشئوا بها أدبهم في فترة وجيزة بعد ظهور الإسلام.
ويؤيد التقارب التام بين اللهجتين الجنوبية والشمالية، نقش النمارة الذي عثر عليه لامرئ القيس وهو من أصل قحطاني، إذ ثبت أنه "بلهجة قريبة من لهجة القرآن.. بلهجة نستطيع أن نقول إنها من الأم التي ولدت عربية القرآن"[59].
على أن سيادة اليمنيين على الشماليين التي يتذرع بها، ويرتب عليها أن تسود لغة اليمن على الشمال لم تكن سيادة عامة، إنما كانت سيادة على بعض قبائل من أهل الشمال لا كلهم، ولم تستمر طويلًا لمدة تكفي لفرض اللغة، بل كانت لفترة وجيزة، فلم يلبث الشماليون أن انتقضوا على الجنوبيين، وتخلصوا منهم إلى الأبد.
ثم إنه ليس بلازم مطلقًا في كل فتح أو في كل سيادة، أن يستتبع ذلك فرض لغة الفاتحين أو السادة، بل قد يحدث، ومع ظروف وأسباب، ولكن ليس بلازم أبدًا أن يحدث ذلك، وكتب التاريخ والدراسات اللغوية خير شاهد على ذلك، وأقرب مثل لهذا في تلك البقعة، أن كلا من الفرس والأحباش قد احتلوا اليمن قبل الإسلام، ولكن لم نسمع أن اللغة الفارسية أو اللغة الحبشية قد فرضت سيادتها على اليمنيين المغلوبين وفي العصر الحديث مثلا [57] طبقات فحول الشعراء لابن سلام، ص4-5 والمزهر جـ1 ص174. [58] في الأدب الجاهلي، ص81 [59] جواد علي جـ 4 ص342.
نام کتاب : في تاريخ الأدب الجاهلي نویسنده : الجندي، علي جلد : 1 صفحه : 206