نام کتاب : في تاريخ الأدب الجاهلي نویسنده : الجندي، علي جلد : 1 صفحه : 209
والدكتور طه يعترف بصراحة ووضوح، أن لغة القرآن كانت اللغة الأدبية التي كان يستعملها الناس في العصر الجاهلي، فهو يقول ما يلي بالحرف[61]: "وليس من العسير أن نفهم أن العرب قد قاوموا القرآن، وناهضوه، وجادلوا النبي فيه إلا أن يكونوا قد فهموه، ووقفوا على أسراره ودقائقه، وليس من اليسير، بل ليس من الممكن أن نصدق أن القرآن كان جديدًا كله على العرب فلو كان كذلك لما فهموه ولا وعوه، ولا آمن به بعضهم، ولا ناهضه، وجادل فيه بعضهم الآخر. إنما كان جديدًا في أسلوبه، جديدًا فيما يدعو إليه. جديدًا فيما شرع للناس من دين وقانون، ولكنه كان كتابًا عربيًّا، لغته هي اللغة الأدبية التي كان يصنعها الناس في عصره، أي في العصر الجاهلي". وذلك معناه أن هذه اللغة كانت معروفة لهم وشائعة الاستعمال بينهم في الأدب.
ثم إذا لم يكن هذا مقنعًا في إثبات أن الجنوبيين كانوا مع الشماليين يستعملون لغة أدبية واحدة، بل إن القسمين كانا يستعملان لغتين أدبيتين مختلفتين، فكيف غاب ذلك عن إدراك هؤلاء المزيفين الذين قاموا بصنع هذه النصوص الجاهلية المنسوبة إلى الجنوبيين؟ كيف ينسبون إليهم نصوصًا بلغة لم تكن معروفة لهم، ولا يؤلفون بها أدبهم؟ والمعروف أن هؤلاء المزيفين كانوا مشهورين بالذكاء الخارق، والفطنة التامة، والإحاطة الكاملة بكل نواحي الحياة الجاهلية عند العرب جميعًا وبخاصة التقاليد الأدبية التي كانت شائعة عند الجاهليين، جنوبيهم وشماليهم، حتى استطاعوا بمقدرتهم الفائقة أن يختلقوا نصوصًا مزيفة، مشابهة تمام المشابهة للنصوص الأصلية، حتى التبس الدخيل بالأصيل، ولم يتمكن أقدر النقاد، وأقواهم فطنة وذكاء من التمييز بين هذا وذاك.
ثم إذا غفل المزيفون عن هذه الناحية، ووقعوا فيها، ألم يكن هناك من النقاد أو العلماء، أو حتى من عامة الناس من يستطيع لأول وهلة أن يرد عليهم ادعاءهم ويبين كذبهم، بحجة أن ما يختلقونه واضح التزييف؛ لأنه يختلف في لغته عن لغة المنسوب إليهم، المعروفة عنهم؟
على أننا أشرنا فيما سبق إلى أن الأدباء من الجنوبيين الذين جاءت لهم نصوص أدبية في تراث الجاهليين، إنما كانوا من أولئك الذين كانوا يعيشون في وسط العدنانيين أو قريبًا منهم، [61] المصدر السابق ص71.
نام کتاب : في تاريخ الأدب الجاهلي نویسنده : الجندي، علي جلد : 1 صفحه : 209