نام کتاب : في تاريخ الأدب الجاهلي نویسنده : الجندي، علي جلد : 1 صفحه : 271
ويرصفونها بعضها بجانب بعض بدون وعي تام لمعانيها، ما دام السجع موجودا فيها، ويكتنفها الغموض والإبهام، مكتفين بالإيماء والتلميح، متخذين من حال مخاطبيهم النفسية ما يساعدهم على ذلك، كما يفعل ضاربو الرمل والحصى بيننا الآن.
تعليق عام عن النثر الجاهلي:
ومما سقناه من النماذج، نرى أن النثر الجاهلي شمل عدة نواح في الحياة الجاهلية، فطرق جميع المسائل التي تهم الإنسان في حياته واستخدم وسيلة فعالة في التأثير على النفوس، وفعلا كان -وما زال- له أثر كبير لا يقل عن أثر الشعر النفسي فهو بذلك نثر أدبي. ومن الفنون الجميلة الرفيعة.
كما أنه صور كثيرًا من المشاعر الإنسانية، فجاء في أغراض مختلفة وبخاصة ما كان منه في الخطابة والحكم والوصايا وتبعًا لذلك جاء في صور متعددة. وأساليب متباينة. طبقًا للنواحي التي يعالجها.
وفي النماذج النثرية التي سقناها للجاهليين، تجد منها ما هو طويل، ومنها ما هو قصير. ويتجلى القصر بشكل ظاهر في الحكم والأمثال. وتتراوح الخطب والوصايا بين الطول والقصر، ومن عادتهم في الخطب في الزواج يقول الجاحظ: إن الخاطب كان يطيل، ويقصر المجيب[26] ويقول عن خطابتهم بوجه عام: "اعلم أن جميع خطب العرب من أهل المدر والوبر والبدو والحضر على ضربين: منها الطوال، ومنها القصار. ولكل ذلك مكان يليق به، وموضع يحسن فيه. ومن الطوال ما يكون مستويًا في الجودة، ومتشاكلًا في استواء الصنعة ومنها ذوات الفقر الحسان. والنتف الجياد. ووجدنا عدد القصار أكثر، ورواة العلم إلى حفظها أسرع"[27].
وفي النثر الجاهلي تتجلى العصبية القبيلة. في الفخر بالأحساب والأنساب في المفاخرات والمنافرات، ويظهر الحب والمودة والرغبة في الخير لأفراد الأسرة أو العشيرة الواحدة في النصائح والوصايا. ولئن شاع عنهم الغضب وسرعة التهور والحمق والسفه، فإننا نرى من [26] البيان والتبيين جـ1 ص116. [27] البيان والتبيين جـ2 ص7.
نام کتاب : في تاريخ الأدب الجاهلي نویسنده : الجندي، علي جلد : 1 صفحه : 271