نام کتاب : في تاريخ الأدب الجاهلي نویسنده : الجندي، علي جلد : 1 صفحه : 336
وحب العظمة، والأطلال فيها وإن قاربت أن تطمس، فإنها تلمع وتبرق، وموكب الحبيبة ضخم عظيم، وفي معلقة زهير روح الأمن والسلام، ومقدمتها أطلال أصبحت مأوى البقر والظباء تعيش فيها آمنة مستقرة فيرضيه هذا ويدعو للربع بالنعيم والسلام، وظعائن تسير حتى تصل إلى مكان الراحة والاطمئنان فيدخل منظرهن في نفسه البهجة والسرور، ومعلقة لبيد رمز للكفاح ومحاولة التصرف مع الواقع بما يناسبه بدون تشبث بالأوهام والخيالات، وأطلاله أصبحت لا جدوى منها فلا ينبغي أن يعيش في الأحلام، والحبيبة قد بعدت وقطعت الصلة، فليعاملها بالمثل، أما عنترة فيصور الشهامة ومن أهم مبادئها الوفاء بالعهد وحماية المرأة وصون شرفها، فالطلل وإن أقوى وأقفر فله التحية، وهي وإن بعدت فهو باقٍ على عهدها قد تمكن حبها في قلبه منذ أن رآها عرضًا، ومع بعدها وعداوة قومها له، فسيظل أمينًا مخلصًا لها.
وأما عمرو بن كلثوم فيصور في معلقته التعالي وحب العظمة، وبدؤه تحقق فيه ذلك، فهو يطلب الصبوح، ويأبى إلا أن يكون من أجود الأنواع، ولا يحب أن يكون فراق الظعينة لقطيعة أو خيانة للعهد، وإلا كان له في ذلك شأن، وأما الحارث بن حلزة فهو في معلقته غضوب ثائر لكرامته، يحب الصراحة، ويحارب التآمر في الخفاء، فكذلك كان بدؤه فصارحته الحبيبة بالرحيل، وبعدت عنه فصرح بأنه لا أمل له في شيء منها، فليتجه نحو ما يهمه وما يعنيه.
العرض الشعري في المعلقات وقيمتها:
رأينا فيما سبق أن كل معلقة كانت أثرًا لانفعال معين لدى الشاعر، سيطر عليه من أول القصيدة إلى آخرها، وكان هذا الانفعال يوجه الشاعر من البدء فيحدد له الزاوية التي يبدأ منها، وبمجرد أن ينتهي من افتتاحيته، كانت تتوالى عليه الخواطر وتتوارد الأفكار من باب تداعي المعاني، والحديث ذو شجون، فكانت الفكرة تسوقه إلى أخرى تتصل بها أو تستدعيها إلى أن ينتهي مما يريد، ومن ثم جاءت الأفكار فيها مترابطة متوالية في تسلسل شعري لطيف، فالحبكة الموضوعية فيها تامة.
وأحيانًا يستطرد الشاعر فيتحدث عن أشياء قد تبدو لأول وهلة أنها خارجة عن الإطار الذي يسير فيه، ولكن بأقل تأمل سوف يتبين أنها وثيقة الصلة بالفكرة التي يعرضها، كوصف مطاردة الحمار للأتان، وفرار البقرة الوحشية الحزينة الفزعة، في معلقة لبيد، فقد أوردهما
نام کتاب : في تاريخ الأدب الجاهلي نویسنده : الجندي، علي جلد : 1 صفحه : 336