نام کتاب : في تاريخ الأدب الجاهلي نویسنده : الجندي، علي جلد : 1 صفحه : 345
ويغلب على الظن أن ذلك كان يحدث بين الشعراء الذين يعنون بفنهم الشعري كثيرًا، فيعيدون النظر مرارًا في كل قصيدة يؤلفونها، وبخاصة إذا كانت طويلة، وينوون الدخول بها في مجال التنافس في ميدان الفصاحة، والسبق في الفن الشعري.
ومهما يكن من شيء، فإن ما لدينا من التراث الشعري للجاهليين يدل دلالة قوية على الظواهر العامة والخاصة التي كانت تثير مشاعر العربي وإحساساته، وعلى يقظة العربي، واستجابته للمثيرات التي من شأنها أن تحرك مشاعر النفوس المرهفة، كما يدل على أن الشاعر الجاهلي على العموم قد استطاع بقوته الشاعرية أن يلم بجوانب النفس البشرية كلها، فصور انفعالاتها وأحاسيسها في كل الظروف والأحوال والمناسبات، فغطى جميع نواحي الشعر الغنائي الذي يعنى بتصوير نفسية الإنسان، وما لها من ميول وعواطف ووجدان.
والشعر الجاهلي كله مكون من هذه العواطف والانفعالات، وقد جاءت فيه جميع الموضوعات التي يتألف منها الشعر الغنائي، وسنحاول فيما يلي أن نتحدث عن أغراض الشعر في العصر الجاهلي.
الوصف:
لقد أحاط الشاعر الجاهلي في أوصافه بجميع ظواهر البيئة التي كان يعيش فيها، فوصف الطبيعة الحية والصامتة والساكنة والمتحركة فصور الصحراء وما فيها من جماد وحيوان وما يعتريها من رياح وسحب وأمطار وظواهر المناخ المختلفة، وغير ذلك بحيث يمكن القول معه بأن الشاعر الجاهلي قد صور البيئة العربية تصويرًا عامًّا استوعب فيه جميع ظواهر الحياة في ذلك العصر، فمثلًا في وصف الصحراء وما بها، يقول عميرة بن جمل:
ألا يا ديار الحي بالبردان ... خلت حجج بعدي لهن ثمان
فلم يبق منها غير نؤي مهدم ... وغير أوارٍ كالركي دفان
1 المفضليات: دار المعارف سنة 1964 ص258 ق: 64 ب: 1-6.
2 النؤي: الحاجز الذي يكون حول الخباء لئلا يدخله الماء، كما يقال أيضا للحفيرة التي تحفر حول الخباء لترد الماء عنها، الأواري: جمع آري، هو ما حبس الدابة من وتد ونحوه. الركي: جمع ركية، وهي البئر. دفان: مندفنة، جمع دفين.
نام کتاب : في تاريخ الأدب الجاهلي نویسنده : الجندي، علي جلد : 1 صفحه : 345