responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : قطب السرور في أوصاف الأنبذة والخمور نویسنده : الرقيق القيرواني    جلد : 1  صفحه : 106
من الشراب المسكر أقداحاً كثيرة ولا يسكرر، وقد يشرب منه غير القليل فيسكر، وقال المُحِلّون لكل ما أسكر كثيره من النبيذ، إنما حرمت الخمر بعينها، خمر العنب خاصة، بالكتاب، وهي معقولة مفهومة لايمتري فيها أحد من المسلمين، وإنما حرَّمها الله تعبداً لا لعلة الإسكار كما ذكرتم، ولا لأنها رجس ولو كان ذلك كذلك، لما أحلها الله للأنبياء والمتقدمين والأُمم السالفين، ولا شربها أصحاب النبي " ص " في صدر الإسلام.
وأما قولكم إنها رجس فقد صدقتم في اللفظ، وغلطتم في المعنى إن كنتم إنما أردتم أنها نَتَنٌ لأن الخمر ليست بمنتنة ولا قذرة، ولا وصفها أح بذلك، وإنما جعلها الله رجساً بالتحريم، وكذلك سمى الله تعالى المحرمات كلها خبائث، وسمي المحللات كلها طيبات، وقد ذكر الله الخمر فيما امتنَّ به على عباده قبل تحريمها فقال: ومنثمرات النخيل والأعناب تتخذون منه سُكراً ورزقاً حسناً. ولو أنها رجس على ما تأولتم، ما جعلها الله في جنته وسمّاها: لذة للشاربين، فإن قلتم إن خمر الجنة ليست كخمر الدنيا وإن الله نفى عنها عيوب خمر الدنيا، فقال: لا يُصدعون عنها ولا يُنزفون. وكذلك قوله في فاكهة الجنة: لا مقطوعة ولا ممنوعة، فنفى عنها عيوب فواكه الدنيا لأنها تأتي في وقت، وتنقطع في وقت. وما سمعنا أحداً وصف الخمر إلا بضدّ ما ذكرتم، من طيب النسيم وذكاء الرائحة، قال الأخطل:
كأنما المسك نهباً بين أرجلنا ... إذا تضوع من ناجودها الجاري
وقال الحسن:
فتنفست في البيت إذ مُزجت ... كتنفس الريحان في الأنف
وقال:
نحن نخفيها ويأبى ... طيب عَرفٍ فتفوح
وإنما قوله: رجس، كقوله: فأما الذين في قلوبهم مرض فزادتهم رجساً إلى رجسهم. أي كفراً إلى كفرهم. وأما منافعها التي ذكرها الله عز وجل في قوله: يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثمٌ كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما، فإنها كثيرة لا تحصى، قدَّمنا منها في صدر كتابنا ما فيه كفاية. واحتجوا في قول رسول الله " ص ": كل مسكر حرام، وما أسكر الفرق منه، وهو ستة عشر رطلاً، فملء الكف منه حرام.
مما رواه مالك بن أنس عن أبي سعيد الخدري أنه قدم من سفرٍ فقُدِّم إليه لحم من لحوم الأضاحي، فقال: ألم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ناهكم عن هذا بعد ثلاثة أيام، فقالوا: قد كان بعدك من رسول الله " ص " فيها أمر، فخرج إلى الناس، فسألهم، فأخبروه، أن رسول الله " ص " قال " كنت نهيتكم عن لحوم الأضاحي بعد ثلاثة أيام، فكلوا وادخروا وتصدقوا، وكنت نهيتكم عن زيارة القبور، فزوروها ولا تقولوا هُجراً.
والحديثان صحيحان رواهما مالك وأثبتهما في موطئه، وإنما هما ناسخ ومنسوخ [وإنما] نهينا عن النبيذ الشديد وأن نشربه حتى نسكر، ولو كان ما يسكر كثيره يسمى قليله مسكراً أما أباح لنا منه شيئاً. وقد شرب رسول الله " ص " من سقاية العباس فوجده شديداً فقطَّب بين عينيه، ودعا بذنوب من ماءِ زمزم فصبَّ عليه، وقال: إذا كان هكذا فاكسروه بالماء. ولو كان حراماً لأراقه وما صبَّ عليه من ماء ثم شربه، فقد نسخ بشربه الصُّلب في حجة الوداع ما كان قبله. والدليل على ذلك أنه كان نهى وفد عبد القيس عن شرب المسكر، ثم وفدوا عليه بعد ذلك فرآهم مصفرةً ألوانهم، سيئة حالهم، فسألهم عن قصتهم، فأعلموه: أنهم كان لهم شراب فيه قوام أبدانهم فمنعهم منه، فأذن لهم في شربه. وأن ابن مسعود قال: شهدنا التحريم وشهدتم، وشهدنا التحليل وغبتم، وأنه كان يشرب الصلب من نبيذ الجر، حتى كثرت الروايات به عنه وشُهرت وأُذيعت واتبعه عليها التابعون من الكوفيين وجعلوه أعظم حججهم: قال في ذلك شاعرهم:
من ذا يُحرِّم ماء المزن خالطه ... في جوف خابيةٍ ماء العناقيد
إني لأكره تشديد الرواة لنا ... فيها ويعجبني قولُ ابن مسعود
وإنما أراد أنهم كانوا يعمدون إلى الرب الذي قد ذهب ثلثاه فيزيدون عليه من الماء قدر ما ذهب منه يتركونه حتى يغلي ويسكن جأشه ثم يشربونه.

نام کتاب : قطب السرور في أوصاف الأنبذة والخمور نویسنده : الرقيق القيرواني    جلد : 1  صفحه : 106
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست