responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : قطب السرور في أوصاف الأنبذة والخمور نویسنده : الرقيق القيرواني    جلد : 1  صفحه : 12
ثم لم يغن في مجلسه بقية يومه إلا في النرجس، ومنع من حفظه غلَبَةُ السُّكر، وكان قد صفا ذهنه، وخلصت قريحته في ذها الشأن، فحدثنا أنه نام ليلةً حتى رأى فيما يرى النائم كأن شخصاً نظيف الثياب، طيب الرائحة دخل عليه فسلم وجلس إلى جانبه، قال: فقلت: من تكون أصلحك الله، قال: إسحق بن إبراهيم الموصلي، قلتُ: ما أشوقني إلى لقائِك، وأشدَّ حرصي على استماع صوتٍ من أغانيك التي لحنتها ولم يسبقك أحدٌ إليها، فدعا بعودٍ فأصلحه وضرب وغنَّى:
تلاعبت بي لا أنت بالهجر مِتلفٌ ... حياتي ولا بالوصل جددت لي عُمرا
تؤاهلني طوراً، وتهجر تارةً ... دلالاً، فلا وصلاً تُديم ولا هجرا
فلو دمت في هجري، لسببت مِيتتي ... ومن مات من جور الهوى عُرِّض الأجرا
فكم عبرةً للعين أجريتها دماً ... وكم حرقةً في الصدِّ أذكيتها جمرا
لعل الذي أضحى له الأمر كُلُّه ... على طولِ ما ألقاه يُحدث لي أمرا
فقبلت يده فرحاً وأخذت عوداً وغنيته معه وانتبهت فكتبته وغنيته كما سمعته، فكان كثيراً ما يغنيه ويقترحه إعجاباً بحسن صنعته فيه. وتنزهنا معه في بعض أسفاره إلى المهدية، فبكرنا يوماً ومعنا طيور وكلابُ صيدٍ وتوجهنا إلى نحو سلطته فأخذت الأطيار حجلاً وأرانب ونزلنا بكرمٍ ظليل وأتينا بما أصطيد لنا من السمك فأمر غلمانه فحفروا حفيرة وأوقدوا ناراً وجعلوا يشوون من صيدنا ويلقونه إلينا ويديرون الكئوس علينا ونحن في ألذ عيش وأطيبه إلى أن غيَّمت السماء وأتت بطلٍّ ورذاذٍ وكان فصل الربيع فقال: الآن أكمل يومنا، ودعا بالدواة فكتب:
يا طيب غنمنا طيبَ لذته ... حتىوصلنا به الآصال بالبكرِ
ونحن نشربها صهباء صافيةً ... ونشتوي صيدنا في مُحكم الحُفر
فالجو يخضب وجه النار من بردٍ ... والنار تخضب وجه الجو بالشررِ
ضدَّانِ خوتُهما سِلمٌ لأنفسنا ... تراجما بحصى الياقوت والدرر
فانعم به واحبُهُ باللهو تحلِيَة ... واعدًدْهُ في الدهر من أيامك الغُررِ
وقام جيش ولده وبيده زورق فضة، فجعل يلتقط به ما استقرَّ من قطر المطر ويمزج به كأسه فنظر إليه أبوه فقال:
وكأسٍ شربناها بماء قرارة ... تلقطها السَّاقي بزورق فضةِ
فما زال يسقيني ويَمزُج كأسُه ... بزورقه حتى حظيتُ بسكرةِ
فيا غيث خَيّم في ملاعب جنة ... فلم أنسَ فيها طيب يوم وليلةِ
ثم انصرفنا فصاغ للشعرين لحناً وغنّى فيهما حتى الصباح.
ونظر إلى بشارة غلامه وكان مليحاً ظريفاً يتولى السقي فأعجبه فقال، وغُنِّيَ فيه:
أَحامِلها من لؤلؤ وعقيق ... وما زجها من سلسلٍ ورحيق
أدرها علينا يا لك الخيرُ، إننا ... سلكنا إلى اللذات كلَّ طريق
ومن شعره وغنائه:
حيَّاك ظبيٌ وصلُهُ ... أبداً يُشاب بصده
حيَّا بوردٍ أحمرٍ وبنفسجٍ في نضده فحكت تحيته سواد عذاره في خدهِ ومن شعره وغنائه، وكان قد عرف الأيام حقَّ معرفتها فقطعها اغتناماً: كُن عن العذلِ ذا صَممْ وانفِ عن نفسكَ النَّدَمْ
واقطع الدهر بالسرور على رغم من رغم
فالذي تبتغي وترجوه قد خطَّه القلم

نام کتاب : قطب السرور في أوصاف الأنبذة والخمور نویسنده : الرقيق القيرواني    جلد : 1  صفحه : 12
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست