يقول: فراره أشد مرارة من القتل الذي فر منه. وسلامته من القتل بالهرب. يقوم له مقام القتل؛ لأنه يعيش ذليلاً مهيناً والموت في العز خيرٌ من العيش في الذل وقيل: أراد أن قتله للأسد أكرم له، فكأن الموت أولى له لأنه كان معززاً.
تلف الذي اتخذ الجراءة خلةً ... وعظ الذي اتخذ الفرار خليلا
الجرأة، والجراءة، والجسارة: الإقدام على الشيء. والخلة: الصداقة، وهو ها هنا يحتمل المصدر.
يقول: إن هلاك الأسد الذي اختار الجرأة والإقدام عليك، وعظ الأسد الآخر الذي فر منك، فخاف إن ثبت لك أن تقتله كما قتلت الأول. وقد روى: وعظ على المصدر، وهو خبر الابتداء.
لو كان علمك بالإله مقسماً ... في الناس ما بعث الإله رسولا
يقول: لو كانت معرفتك بالإله وصفاته وعدله مقسومة بين الناس، لكانوا كلهم عارفين بالله، وما احتاجوا إلى رسول يدعوهم إلى أمور دينهم.
لو كان لفظك فيهم ما أنزل ال ... فرقان والتوراة والإنجيلا
يقول: إن كلامك كله حكمٌ ومواعظ، ومختص بغاية الفصاحة، فلو كان موجوداً من قبل ما أنزل الله الكتب المذكورة لقام كلامك مقامها.
لو كان ما تعطيهم من قبل أن ... تعطيهم لم يعرفوا التأميلا
أي لو كانت الأموال التي تعطيهم الآن، كانت لهم قبل عطائك لكانوا أغنياء لم يعرفوا التأميل ولم يوملوا أحداً. وقيل: أراد لولا عطاؤك لما عرف الناس التأميل، ولكن لما أعطيتهم أطمعتهم بعطاياك فعرفوا التأميل. والأول أولى.
فلقد عرفت وما عرفت حقيقةً ... ولقد جهلت، وما جهلت خمولا
يقول: كل أحد عرفك لشهرتك وشهرة ذكرك وبعد صيتك، ولكن لا يعرف حقيقة أمرك، فأنت معروف من حيث يعرفك كل أحد لشهرة ذكرك، وأنت مجهول لبعد غايتك، ولطف مكانك، لا لأنك خامل الذكر بين الناس.
نطقت بسوددك الحمام تغنياً ... وبما تجشمها الجياد صهيلا
تغنياً وصهيلا: مصدران، في موضع الحال. والحمام: رفع بنظفت، وكذلك الجياد لأن نطقت مكررة.
يقول: كل شيء يثني عليك حتى أن الحمام إذا غنت وصفت سؤددك، والخيل إذا صهلت وصفت ما تكلفها من المشقة والسير والحرب.
وقيل: أراد بالحمام. العجم من حيث كساهم من نعمه مثل أطواق الحمام قال ابن جنى: أشهد بالله أنه لو خرس بعد هذين البيتين لكان أشعر الناسز
وما كل من طلب المعالي نافذاً ... فيها، ولا كل الرجال فحولا
يقول: ليس كل من طلب المعالي يدرك منها ما أدركت، وينفذ فيها كما نفذت، ولا كل من هو على خلقة الرجال فحلا جامعاً لغايات الرجولية.
وورد كتابٌ من ابن رائق على بدرٍ بإضافة الساحل إلى عمله فقال يهنىء بدراً بذلك:
تهنى بصورٍ أم نهنئها بكا ... وقل الذي صورٌ وأنت له لكا
روى تهنى ونهنى: من التهنئة، والدعاء لصاحب النعمة بدوامها، وتسويغها، فأصلها هنأ الطعام. وصور: مدينة من ساحل الشام.
يقول: نهنئك بهذه المدينة، أم نهني هذه المدينة بك؛ حيث وليتها فإن هذه الولاية، ومن ولاك عليها، لو كانا لك لما استكثرنا لك ذلك؛ وهو معنى قوله: وقل الذي صور وأنت له لكا أي وقل لك الرجل الذي هذه المدينة وأنت له. أي أنك من جملة أصحابه في الظاهر، فكنت له كصور.
وما صغر الأردن والساحل الذي ... حبيت به إلا إلى جنب قدركا
الأردن: ديار فلسطين وما والاها. والساحل: ساحل الشام.
يقول: إن الأردن والساحل الذي أعطيته عظيم وملك جليل، وإنما صغر بالقياس إلى قدرك وعلو محلك، فهو ليس بصغير إلا إلى جنب مقدارك، فإنك تستحق أكثر من هذا.
تحاسدت البلدان حتى لوانها ... نفوسٌ لسار الشرق والغرب نحوكا
يقول: حسدت البلدان البلاد التي تليها، حتى أنها لو كانت من الأحياء لسار المشرق منها والمغرب إليك، ليكونا في ولايتك. ومثله قول أبي تمام:
تغاير الشعر فيه إذ سهرت له ... حتى ظننت قوافيه ستقتتل
ومثله للبحتري:
فلو أن مشتاقاً تكلف فوق ما ... في وسعه لسعى إليك المنبر
وأصبح مصرٌ لا تكون أميره ... ولو أنه ذو مقلةٍ وفم بكى
يقول: كل بلد لا تكون والياً عليه، لو كان له عينٌ وفمٌ لبكى من الحزن عليك، لكونك في غيره، واشتياقاً إلى توليتك عليه.