(الباب السادس في سر القدر)
وحقيقة القدر بمعنى التقدير والتضييق كقوله ومن قدر عليه رزقه هذه مسألة تحير فيها العقلاء وتبلد فيها الفضلاء وضل بها العلماء وارتد بسببها جماعة وهو شأن مهول وسر عظيم وخطب جسيم يقولون الله غني فأي حاجة الى التكليف فإنه كان قادرا أن يدخلهم الجنة من غير تكليف وكيف أمر بالرحمة وهو يرى المساكين والمرضى والزمنى ولا يرحمهم وعلم من الكفار الكفر ومن العصاة المعصية وأراد منهم ذلك فإنه لا يجوز أن يكون معلوما دون ارادته ومع ذلك يعذب الكفار والعصاة وهو حكيم ويعذب عباده على ماأراده منهم فالعبد يقول يا رب أنت قضيت وأجريت فهذا والله العجب كل العجب له خزائن وجواهر وعباده يموتون بالجوع ولا يعطيهم ويقول لهم اصبروا وصابروا على الفقر الذي لا أنتفع به وتموتون عليه ثم يقول ان الله لا يسأل عما يفعل وهذا باب تحيرت فيه العقول هل يجوز أن يأمر بشيء يخرج عن الحكمة وينوب عنه العقل ثم ينهى العاقل عن البحث عنه وهل هذا الّا جور وظلم وأنشد قائلهم:
سبحان من أنزل الدنيا منازلها ... وصير الناس مسبوا ومرفوقا