قِيلَ للأصمعي: إن أبا تمام الأعرابي قال: إنما هو سَرفُ الملوك بسين غير معجمة، قال الأصمعي: أخطأ الرجلُ، أما تعلَم أنّه يكونُ شرفٌ دون شرفٍ دونَ أزرى بنا، قلت هذا شرحٌ كما تراه. والذي ذهب إليه أبو تمام الأعرابي وجْهٌ مقبول. ومن أجودِ ما يُروى في هذا الباب قول الطائي وهو:
بِيضُ الصفائِحِ لا سودُ الصحائِفِ في ... مُتونِهِنَّ جلاءُ الشكِ والرِّيَبِ
ومنه:
تجنيسُ الخَطّ
ويُسمى التصحيف وهو أن تردَ الكلمتان فلا يفَرَّق بينهما إلا بالنقْط. قال الله تعالى: (وهُمْ يحسَبون أنهم يُحسِنون صُنْعاً) وقال عُرْوةُ بن جَندل الفَقْعَسي:
لياليَ أسبابُ المودةِ بيننا ... على البُخْل أحلى عندنا من جَنى النَحْلِ
البُخْل والنَحْل تجنيسُ الخَط. وقال الفرزدق:
عزَفْتَ بأعشاشٍ وما كِدْتَ تعزِفُ ... وأنكرْتَ من حَدراءَ ما كنتَ تعرِفُ
تعزفُ وتعرفُ تجنيس الخط. وقال أبو دُؤاد الإيادي:
ورَدْتُ بعَيْهامةٍ جَسْرةٍ ... فغبَّتْ سِمالاً وهبّتْ شِمالا
وقال الأفْوَهُ الأوْدي:
حتى حنَى منّي قَناةَ المطا ... وقنّعَ الرأسَ بلَوْنِ خَليس
وقال ابنُ قيس الرُّقَيّات:
رَجَعوا منكَ لائمينَ فكلٌ ... راحَ من عندِكم حزيناً حَريبا
وقال بَلعاءُ بنُ قيس:
إلى رَوْضٍ به نفَلٌ وبقْلٌ ... يُغنّي في أسرّتِه الذُّبابُ
نفلٌ وبَقْل تجنيس الخط. وقال عبَيْدُ بنُ ماوِيَةَ الطّائي:
ونُعْمُ بما أرْسَلَتْ بالَها ... ونالَ التّحيّةَ مَنْ نالَها
وإني لَذو مِرّةٍ مُرّةٍ ... إذا ركِبَتْ حالةٌ حالَها
وقال الفرزدق:
وما وجدَ الشّافونَ مثلَ دمائِنا ... شِفاءً ولا الساقون من عسَلِ النّحلِ
ومنه تجنيس البَعْض: قال القُطاميّ:
بأحسنَ من جُمانةَ يومَ رَدّوا ... جِمالَ البَيْنِ واحْتَملوا نهارا
جُمانة وجِمال تجنيسُ البَعض. وقال أيضاً:
وكانتْ ضَرْبةً من شَدْقَمِيٍّ ... إذا ما اسْتنّتِ الإبلُ استِناعا
استنّتْ واستناعاً مُجنَّس البعض. وقال الطمّاح العُقَيْلي:
مَخَبُّ مَخاضِ ابنَيْ قُشَيْرٍ كأنّها ... نَعامٌ بجِزّان الحَزابيِّ توسَقُ
وقال عبدُ الله بن عبد الأعلى:
وكمْ منْ حديدٍ قدْ تخوَّنَهُ البِلى ... ومنْ مَعْقِلٍ خانتْ قِواهُ القَواعدُ
وقال مالك بنُ عوفٍ النَّصْري:
مِخْرادِ دَلٍّ فلا عِيٌّ ولا سَنَةٌ ... والخَلْقُ مثلُ عَسيبِ الغابةِ الغادي
وقال العُجَيْرُ السَّلوليّ:
تَروّى منَ البَحْرَيْنِ ثم تروّحَتْ ... بهِ العينُ يُهديهِ لظَمياءَ ناقِلُهْ
تروّى وتروّحَتْ مُجنَّسُ البعض، وتروّى وظَمْياء تطبيق. وقال أبو الجُويريَة:
ومُسْتأسِرٍ للبَردِ قوّمْتُ رأسَهُ ... مُكارهةً والليلُ مستأنفٌ طِفْلُ
مُستأسِرٌ ومستأنفٌ مجنّس البعض. وقال أبو الطَّمَحان القَيْني:
ألا ليتَني أوْدَيْتُ إذ أنا صالِحٌ ... وإذْ أنا جانٍ للعدوِّ وجارِحُ
جانٍ وجارحٌ مجنَّسُ البعض. وقال أسدُ بنُ كُرْزٍ البَجَليّ:
صناديدُ أيْسارٌ مداعيسُ بالقَنا ... مساعيرُ في الهَيْجا مَسافيكُ للدَّمِ
مساعيرُ ومسافيكُ مجنسُ البعض. وقال القُطامي:
حتى تَرَى الحُرّةَ الوجْناءَ لاغِبَةً ... والأرْحَبيَّ الذي في خَطْوِهِ خَطَلُ
خطوه وخطلُ مُجنس البعض.
ومنه
المجنسُ المُتَمَّم
وهو أن يأتي الشاعرُ بكلمة ثمّ يأتي بأُخْتِها إلا أنه يتمِّمُها بحرف أو حرفين من غير حُروفهما. قال حمَلُ بنُ بَدْر:
لَقينا ولاقَونا بجُرْدٍ معَدَّةٍ ... تكنَّفُ فيهنَّ القَنا والقَنابلُ
القَنا والقَنابلُ مجنسٌ متمَّم. وقال حسّان في مثلِه:
وكنّا متى يَغْزُ النبيُّ قبيلةً ... نصِلْ حافَتَيْهِ بالقَنا القَنابِلِ
وقال عمرو بنُ شأس:
تذكّرتُ ليلى والرِّكابُ كأنّها ... قَطا مَنْهَلٍ أمَّ القَطاطَ فلَعْلَعا
وقال عُقبةُ بنُ كعب بن زهير: