وسُمّي حرف الرويّ روياً لأنه من الرِّواء وهو الحبْل الذي يُشَدُّ على الأحْمال والماعِ ليضُمَّها. وروى في كلامهم للضمّ والجمع والاتصال، وكذلك حرف الرويّ، تنضمّ وتجتمع إليه جميعُ حروف البيت. فالقوافي على ذلك خواتيم على عنوان الشعر جامعةٌ لأطراف معانيه، قابضةٌ على أزمّةِ مَهاريه.
8 - وأما الألقاب، فإنها تنقسِم الى أقسام ولكل قسم منها باب، فمنها:
باب الإشارة
والإشارة من محاسن البديع، ومعناه اشتمالُ اللفظِ القليل على المعاني الكثيرة وإنْ كان بأدْنى لمْحٍ يُستدلّ على ما أُضمِرَ من طويل الشرحِ كقولِ امرئ القيس:
على هيكلٍ يُعطيكَ قبلَ سؤالهِ ... أفانينَ جرْيٍ غير كزٍّ ولا وانِ
تأمّل ما تحت لفظة أفانين، وما اقترنَ بها من جميع أصناف الجوْدة، ثم نفى عنه الكزازة والوَنى وهُما أكبر معايب الخيْلِ.
وقال زهير:
فلو أني لقيتُك واتّجَهْنا ... لكانَ لكلِّ منكرةٍ كفيلُ
فهذا لفظٌ قليلٌ يدلّ على معنى كثير. وكما قال بعض الأعراب:
جعلْتُ يدَيَّ وِشاحاً لهُ ... وبعضُ الفوارِسِ لا يعْتَنِقْ
قولهُ: جعلتُ يديَّ وِشاحاً له، إشارة بديعةٌ الى المعانقةِ بغير لفظِها وهي دالّة عليها.
وقال الأعشى:
تسْمَعُ للحَلْيِ وسْواساً إذا انصَرَفَتْ ... كما استعانَ بريحٍ عِشْرِقٌ زَجِلُ
أشار بذلك الى دقة الخصرِ والرّشاقةِ والهَيَف لأن حركة الوُشْحِ تدلّ على ذلك. فأما الخلاخلُ والأسْورةُ والبُرى، فإنها توصفُ بالصمتِ والخرَس. وفي البيت إشارة أخرى الى شدّة الحركة وهي قولُه، كما استعانَ بريحٍ عِشْرِقٌ زجِلُ، وذلك أن العِشرِقَ وهو شجرٌ شديدُ الحركة في ضعْفِ النسيم، فكيفَ إذا استعانَ بريحٍ.
وقالت الخنساء:
يذكّرُني طُلوعُ الشّمسِ صخْراً ... وأذكرُهُ لكلِّ غُروبِ شمسِ
إشارة حسنة الى وقت الغارة، ووقت الميْسِرِ وإطعامِ الضيف.
وقال القُحَيْف:
أتاني بالعقيقِ دعاءُ كعبٍ ... فحنَّ النّبْعُ والأسَلُ النِّهالُ
إشارة حسنة الى إغاثته بالجيش. وقال آخر:
وزَيدٌ ميِّتٌ كمَدَ الحُبارَى ... لأن ظَعَنتْ سُكَيْنَةُ والرَّباب
إشارة حسنة الى شدّة الهمِّ وذلك أن الطير تجتمعُ في مواضع بعيدةٍ من الأناسيّ فتطرحُ ريشها هناك وفيها الحُبارى، ثم ترتعي الى أن ينبُتَ ريشُها، فإذا نبتَ ريشُ تلك الطيرِ كلِّها تخلّف الحُبارى عنها لأن ريشَها بطيءُ الطلوع فينهضُ جميع الطير وتبقى الحُبارى فيموتُ أكثرُها كَمَداً.
وأنشد ابن الأعرابي:
مَشيْنا فسوّيْنا القُبورَ بعاقلٍ ... فقد حسُنَتْ بعْدَ القُبوحِ قُبورها
أي قتَلْنا بقتلانا فاستوى عددُ قتلانا وقتلاهم. وهذه إشارة عجيبة لطيفةٌ الى أخذ الثأر. وفي هذا الباب سَعة وجهدُنا أن نختصِرَ.
وقريبٌ من معنى الإشارة وإن تغايَرَت العبارة:
باب الكناية
وربما سمّاها قومٌ التتبيع لأن الشاعر يقول معنى ويأتي بلفظٍ تابعٍ له، فإذا دلّ التابعُ أبانَ عن المتبوع. فمِنْ ذلك قوله تعالى: (وبلَغَتِ القلوبُ الحَناجِرَ) ، كناية عن شدّة الأمر والحرب، ومعنى ذلك أن القلوب ارتفعَتْ عن مواضعِها فنفرتْ كأنها تريدُ الخروج عن الأجسامِ مفارقةً لها. وقولُهُ تعالى: (وما جعلْناهُم جَسداً لا يأكلون الطّعام) . في ضِمْن هذا الكلامِ كنايةٌ عن الشُرب ولم يُذكَرْ لدلالةِ الأكلِ عليه، وكنايةٌ عن النّجْو والبَول لأن من أكل احتاج أن يشرب، ومن أكل وشرِب احتاج أن ينْجو ويبول.
وأنشد المبرِّد:
تقول وقد أبْدى البُكاءُ بعينِه ... نُدوباً: ألا داويتَ عيْنَكَ بالكُحْلِ
فقد رأيتُ الكُحْلَ يشغَلُ قَدْرُهُ ... من العينِ قدراً لم يكُنْ عنكِ في شُغْلِ
كناية عن أنه لا يحِبُّ أن يشغَلَ عينَهُ عن النّظرِ إليها، لأن الزمان الذي يذهبُ في الاشتغال بالكُحْلِ لم يكن قبل الكُحْلِ مشغولاً بغير النّظر إليها فهو يكرهُ أن لا يكون على ما كان عليه من تلك الحال.
وقال بَلْعاءُ بن قيس الكِناني:
معي كلّ مسترخي الإزارِ كأنّه ... إذا ما مشى في أخمصِ الرِّجْلِ ظالِعُ
كناية عن التّرف والنعمة. وقال المِنْهال: