responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : نور الطرف ونور الظرف نویسنده : الحُصري القيرواني    جلد : 1  صفحه : 51
وقد خيرتني بين أن أقتنيه فيكون فيه غناء الدهر، أو أذبحه فيكون فيه خصب الأهل. فملت إلى استبقائه لما تعرفه عني من رغبتي في التوفير، ومحبتي للتثمير، وجمعي للولد، وادخاري لغد، فلم أجد فيه مستمتعاً لبقاء، ولا مدفعاً لفناء، لأنه ليس بأنثى تحمل، ولا بفتى ينسل، ولا بصحيح يرعى، ولا بسليم يبقى، فملت إلى الثاني من رأيك، وعملت على الآخر من قولك، وقلت: أذبحه فيكون وظيفة للعيال، وأقيمه رطباً مقام قديد الغزال، فأنشدني وقد أضرمت النار، وشمر الجزار، وحدت الشفار [قول أبي الطيب] :

أعيذها نظرات منك صادقة ... أن تحسب الشحم فيمن شحمه ورم
وقال: ما الفائدة لك من ذبحي وأنا

لم يبق إلا نفس خافت ... ومقلة إنسانها باهت
لست بذي لحم لأصلح للأكل، لأن الدهر قد أكل لحمي. ولا جلدي يصلح للدباغ لأن اليام قد مزقت أديمي، ولا صوفي يصلح للغزل لأن الحوادث قد حصت وبري. فإن أردتني للوقود، فكف حطب أبقى من ناري، ولن تفي حرارة جمري بريح قتاري، فلم يبق إلا أن تطالبني بذحل، أو بيني وبينك دم؟..
فوجدته صادقاً في مقالته، ناصحاً في مشورتهن ولم أعلم من أي أمريه أعجب، أمن مماطلته الدهر بالبقاء، أم صبره على الضر والبلاء! أم قدرتك عليه مع إعواز مثله! أم تأهيلك الصديق مثله مع خساسة قدره! ويا ليت شعري إذا كنت والي سوق الغنم، وأمرك ينفذ في الضأن والمعز، وكل كبش سمين وحمل بطين مجلوب إليك، مقصور عليك، تقول فلا ترد، وتريد فلا تصد، وكانت هديتك هذا [النذر] الذي كأنه ناشر القبور، أو قائم عند النفخ في الصور، فما كنت مهدياً لو كنت رجلاً من عرض الكتاب؟!.. كأبي علي وأبي الخطاب، ما كنت تهدي إلا كلباً أجرب، أو قرداً أحدب، والسلام.
وقال أبو حية النميري:

ألا أيها الربع القواء ألا انطق ... سقتك الغوادي من أهاضيب فرق
مرابع وسمي تسوق نشاطه ... مرور الصبا في العارض المتألق
وما أنت إلا ما أرى بعدما أرى ... يد الحي في زي لعيني مونق
غراب ينادي يوم لا القلب عقله ... صحيح ولا الشعب الذي شت ملتق
جزيت غراب البين شراً فطالما ... شحيت بتشحاح الغراب المنعق
ورقراقة تفتر عن متنشق ... كنور الأقاحي طيب المتذوق
إذا امتضغت بعد امتتاع من الضحى ... أنابيب من عود الأراك المخلق
سقت شعث المسواك ماء غمامةٍ ... فضيضاً بخرطوم الرحيق المصفق
وإن ذقت فاها بعدما سقط الندى ... بعطفي بخنداة رداح المنطق
شممت العرار الغض غب هميمة ... ونور الأقاحي في الندى المترقرق
شرقت بريا عارضيها كأنما ... شرقت بداري العراق المعتق
وهذا شعر طريف الصنعة، حسن الوشي، جيد النمط، صافي السبك، وكذلك جميع شعر أبي حية وقد ملح ما شاء في وصف الثغر وطيب النكهة، وهو معنى كثير حسن جميل قد مرت منه قطعة.
وقال العباس بن الفرج الرياشي: سمعت الأصمعي يقول: أحسن ما سمعت في وصف الثغر قول ذي الرمة:

وتجلو بفرع من أرك كأنه ... من العنبر الهندي والمسك يصبح
ذرا أقحوان واجه الليل وارتقى ... إليه الندى من رامة المتروح
هجان الثنايا مغرباً لو تبسمت ... لأخرس عنها كاد بالقول يفصح
وكتب كشاجم إلى بعض القيان وأهدى إليها مسواكاً:

قد بعثناه لكي يجلى به ... واضح كالؤلؤ الرطب أغر
طاب منه العرف حتى خلته ... كان من ريقك يسقى في الشجر
وأما والله لو يعلم ما ... حظه منك لأثنى وشكر
ليتني المهدى فيروي عطشي ... برد أنيابك في كل سحر
وقد أحسن عبيد الله بن عبد الله بن طاهر إذ يقول:

وإذا سألتك رشف ريقك قلت لي ... أخشى عقوبة مالك الأملاك
ماذا عليك، دفعت قبلك للثرى ... من أن أكون خليفة المسواك
أيجوز عندك أن يكون متيم ... صب بحبك دون عود أراك
كتب شمس المعالي إلى الوزير أبي جعفر العتبي يهنئه بمولود:

نام کتاب : نور الطرف ونور الظرف نویسنده : الحُصري القيرواني    جلد : 1  صفحه : 51
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست