وتاريخ الاستقصا في أخبار المغرب الأقصى، فعلمت منهما أنهم هم الذين كانوا على هداية الإسلام دون مقاتليهم، وأكده الاجتماع بالمطلعين على التاريخ من أهلها ولا سيما تواريخ الإفرنج الذي بحثوا عن حقيقة الأمر فعلموها وصرحوا أن هؤلاء الناس أرادوا تجديد الإسلام وإعادته إلى ما كان عليه في الصدر الأول، وإذًا لتجددَ مجده، وعادت إليه قوته وحضارته، وأن الدولة العثمانية ما حاربتهم إلا خوفًا من تجديد ملك العرب، وإعادة الخلافة الإسلامية سيرتها الأولى» .
«ثم اطلعت على أكثر كتب الشيخ محمد بن عبد الوهاب ورسائله وفتاويه وكتب أولاده وأحفاده ورسائلهم ورسائل غيرهم من علماء نجد في عهد هذه النهضة التجديدية فرأيت أنه لم يصل إليهم اعتراض ولا طعن فيهم إلا وأجابوا عنه، فما كان كذبًا عليهم قالوا: {سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ} [النور: 16] وما كان صحيحًا أو له أصل بينوا حقيقته وردوا عليه وقد طبعت أكثر كتبهم، وعرف الألوف من الناس أصل تلك المفتريات عنهم ومن المستبعد جدًّا أن يكون الشيخ أحمد دحلان لم يطلع على شيء من تلك الكتب والرسائل وهو في مركزه بمكة المكرمة على مقربة منهم، فإن كان قد اطلع عليها فلِمَ أصر على ما عزاه إليه من الكذب والبهتان - ولا سيما ما نفوه صريحًا وتبرءوا منه - فأي قيمة لنقله ولدينه وأمانته؟ وهل هو إلا ممن باعوا دينهم بدنياهم؟ .
وإذا فرضنا أن الشيخ أحمد دحلان لم ير شيئًا من تلك الكتب والرسائل، ولم يسمع بخبر عن تلك المناظرات والدلائل، وأن كل ما كتبه في رسالته قد سمعه من الناس وصدقه، أفلم يكن من الواجب عليه أن يتثبت فيه، ويبحث ويسأل عن كتب الشيخ محمد بن عبد الوهاب ورسائله ويجعل رده عليها، ويقول في الأخبار اللسانية قال لنا فلان أو قيل عنه كذا، فإن صح فحكمه كذا؟ إن علماء السنة في الهند واليمن قد بلغهم كل ما قيل في هذا الرجل فبحثوا وتثبتوا وتبينوا كما أمر الله تعالى، فظهر لهم أن الطاعنين فيه مفترون لا أمانة لهم، وأثنى عليه فُحولهم في عصره وبعد عصره، وعدُّوه من أئمة المصلحين المجدِّدين للإسلام ومن فقهاء الحديث كما نراه في كتبهم» [1] . [1] صيانة الإنسان (7 - 10) مع اختصار يسير (المقدمة) .