وقال الحافظ ابن كثير - رحمه الله - بعد أن ساق الأحاديث الواردة في ابن صياد وهل هو الدجال الأكبر أم لا، قال: وقد قدمنا أن الصحيح أن الدجال غير ابن صياد وأن ابن صياد كان دجالا من الدجاجلة ثم تاب بعد ذلك فأظهر الإسلام، والله أعلم بضميره وسيرته [1] .
ولعل ما ذهب إليه شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - والحافظ ابن كثير - رحمه الله - هو الراجح في ابن صياد، وأنه دجال من الدجاجلة وليس هو الدجال الأكبر الذي يخرج في آخر الزمان - والله أعلم.
وأما المسألة الثانية: وهي الحكمة من عدم ذكر الدجال في القرآن صراحة، فقد أجاب على ذلك الحافظ ابن حجر - رحمه الله - بقوله: اشتهر السؤال عن الحكمة في عدم التصريح بذكر الدجال في القرآن مع ما ذكر عنه من الشر، وعظم الفتنة به، وتحذير الأنبياء منه، والأمر بالاستعاذة منه حتى في الصلاة، وأجيب بأجوبة:
أحدها: أنه ذكر في قوله تعالى: {يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا} [الأنعام: 158] [2] فقد أخرج الترمذي وصححه عن أبي هريرة رفعه: «ثلاثة إذا خرجن لم ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل: الدجال، والدابة، وطلوع الشمس من مغربها» .
الثاني: قد وقعت الإشارة في القرآن إلى نزول عيسى ابن مريم في قوله تعالى: {وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ} [النساء: 159] [3] وفي قوله تعالى: {وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ} [الزخرف: 61] [4] وصح أنه الذي يقتل الدجال فاكتفي بذكر أحد الضدين عن الآخر، ولكونه يلقب المسيح كعيسى، لكن الدجال مسيح الضلالة وعيسى مسيح الهدى. [1] النهاية في الفتن والملاحم: (1 / 173) . [2] سورة الأنعام، الآية: 158. [3] سورة النساء، الآية: 159. [4] سورة الزخرف، الآية: 61.