وقال الشيخ أبو علي الجبائي [1] - شيخ المعتزلة -: لا يجوز أن يكون كذلك حقيقة؛ لئلا يشتبه خارق السحر بخارق النبي، وقد أجابه القاضي عياض وغيره بأن الدجال إنما يدعي الإلهية، وذلك مناف للبشرية فلا يمتنع إجراء الخارق على يديه والحالة هذه. وقد أنكرت طوائف كثيرة من الخوارج والجهمية وبعض المعتزلة خروج الدجال بالكلية، وردوا الأحاديث الواردة فيه فلم يصنعوا شيئا، وخرجوا بذلك عن حيز العلماء لردهم ما تواترت به الأخبار الصحيحة من غير وجه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما تقدم، وإنما أوردنا بعض ما ورد في هذا الباب؛ لأن فيه كفاية ومقنعا، والله المستعان.
والذي يظهر من الأحاديث المتقدمة أن الدجال يمتحن الله به عباده بما يخلقه معه من الخوارق المشاهدة في زمانه، كما تقدم أن من استجاب له يأمر السماء فتمطرهم والأرض فتنبت لهم زرعا تأكل منه أنعامهم وأنفسهم وترجع إليهم سمانا، ومن لا يستجيب له ويرد عليه أمره تصيبهم السنة والجدب والقحط والعلة وموت الأنعام ونقص الأموال والأنفس والثمرات، وأنه تتبعه كنوز الأرض كيعاسيب النحل، ويقتل ذلك الشاب ثم يحييه، وهذا كله ليس بمخرقة بلِ له حقيقة امتحن الله به عباده في ذلك الزمان، فيضل به كثيرا ويهدي به كثيراَ، يكفر المرتابون، ويزداد الذين آمنوا إيمانا، وقد حمل القاضي عياض وغيره على هذا المعنى معنى الحديث «هو أهون على الله من ذلك» .
أي هو أقل من أن يكون معه ما يضل به عباده المؤمنين، وما ذاك إلا لأنه ظاهر النقص والفجور والظلم، وإن كان معه من الخوارق، وبين عينيه مكتوب كافر كتابة ظاهرة، وقد حقق ذلك الشارع في خبره بقوله: ك - ف - ر. وقد دل ذلك على أنها كتابة حسية لا معنوية، كما يقوله بعض الناس، وعينه الواحدة [1] محمد بن عبد الوهاب الجبائي البصري أبو علي الجبائي، زعيم الطائفة الجبائية من المعتزلة، تتلمذ عليه أبو الحسن الأشعري ثم ناظره وهجره، توفي سنة 303 هـ. لسان الميزان (5 / 571) ، شذرات الذهب (2 / 241) .