قال الحافظ ابن حجر - رحمه الله -: فإن بعض من لم يرسخ في الإيمان، كان يظن ذلك، حتى كان يرى أن صحة النبوة تستلزم اطلاع النبي صلى الله عليه وسلم على جميع المغيبات، كما وقع في المغازي لابن إسحاق [1] أن ناقة النبي صلى الله عليه وسلم ضلت، فقال زيد بن لصيت [2] يزعم محمد أنه نبي ويخبركم عن خبر السماء وهو لا يدري أين ناقته؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن رجلا يقول كذا وكذا، وإني والله لا أعلم إلا ما علمني الله، وقد دلني الله عليها وهي في شعب كذا، قد حبستها شجرة» ، فذهبوا فجاءوه بها. فأعلم النبي صلى الله عليه وسلم أنه لا يعلم من الغيب إلا ما علمه الله، وهو مطابق لقوله تعالى: {فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا - إِلا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ} [الجن: 26 - 27] [3] .
فهذا الرجل - زيد بن لصيت - عندما قال هذا كان مشركا، وكان يعتقد أن النبوة لا تصح إلا إذا كان النبي يعلم الغيب. ولكن ما بال بعض المسلمين [1] هو أبو بكر محمد بن إسحاق بن يسار بن خيار القرشي المطلبي مولاهم، العلامة الحافظ الأخباري صاحب السيرة النبوية، قال ابن سعد: كان ثقة، ومنهم من يتكلم فيه.
وقال الشافعي - رحمه الله -: من أراد أن يتبحر في المغازي فهو عيال على محمد بن إسحاق. توفي سنة 150 هـ، وقيل: غير ذلك.
طبقات ابن سعد (7 / 321) ، سير أعلام النبلاء (7 / 33) . [2] زيد بن لصيت بصاد مهملة وآخره مثناة وزن عظيم، هكذا ضبطه ابن حجر في الفتح (13 / 346) ، وذكره في الإصابة (4 / 33) من الصحابة من القسم الأول، وكذا ابن الأثير في أسد الغابة (2 / 298) ، وقال ابن هشام في السيرة النبوية (1 / 527) قال ابن إسحاق: " وكان ممن تعوذ بالإسلام، ودخل فيه مع المسلمين وأظهره وهو منافق، من أحبار يهود من بني قينقاع: سعد بن حنيف، وزيد بن لصيت. . . ". وقال الذهبي في تاريخ الإسلام ص (39، 40) قسم المغازي: وممن أظهر الإيمان من اليهود ونافق بعد. . .، وذكر منهم زيد بن لصيت. [3] فتح الباري (13 / 364) ، وقد عزا هده القصة لابن إسحاق في المغازي، وقد أخرج هذه القصة كاملة الواقدي في المغازي (2 / 423 - 425) ، والطبري في تاريخه (3 / 105، 106) ، والبيهقي في دلائل النبوة (4 / 59، 60) ، و (5 / 231، 232) .