إذ التفرقة بين المتواتر والآحاد بدعة [1] دخيلة على الإسلام. وكذلك من مصادر التلقي عند الإمام أبي حنيفة الفطرة؛ فقد استدل أبو حنيفة بالفطرة على علو الله تعالى فقال: "إن الله تعالى يدعى من أعلى لا من أسفل لأن الأسفل ليس من وصف الربوبية والألوهية في شيء" [2]. [1] أحدث هذه البدعة طائفة من المتكلمين ثم دبّ إلى بعض الفقهاء والأصوليين. قال أبو المظفر منصور بن محمد السمعاني في كتابه الانتصار كما في مختصر الصواعق: "قولهم إن أخبار الآحاد لا تقبل ... رأي سعت به المبتدعة في رد الأخبار إذ أن الخبر إذا صح ورواته ثقات وتلقته الأمة بالقبول فإنه يوجب العلم وهذا قول عامة أهل الحديث ... وأما هذا القول المبتدع فقول القدرية والمعتزلة.., وتلقفه منهم بعض الفقهاء الذين لم يكن لهم في العلم قدم ثابتة ولم يقفوا على مقصودهم من هذا القول ... ".
قال ابن القيم في الرد عليهم: "ونحن نشهد بالله ولله شهادة على البت والقطع أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يجزمون لما يحدث به عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يكن أحد من الصحابة ولا أحد من أهل الإسلام بعدهم يشك فيما أخبر به أبو بكر الصديق ولا عمر ولا عثمان ولا علي ولا عبد الله بن مسعود ولا غيرهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بل كانوا لا يشكون في خبر أبي هريرة مع تفرده بكثير من الحديث ولم يقل أحد منهم يوما واحدا من الدهر خبرك هذا خبر واحد لا يفيد العلم. وكان حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم أجل في صدورهم من أن يقال فيه ذلك، وكان أحدهم إذا روى لغيره حديثا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصفات تلقاه بالقبول واعتقد تلك الصفة به على القطع واليقين ... "
إلى أن قال: "فهذا الذي اعتمده نفاة العلم عن أخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم خرقوا به إجماع الصحابة المعلوم بالضرورة وإجماع التابعين وإجماع أئمة الإسلام ووافقوا به المعتزلة والجهمية الرافضة والخوارج الذين انتهكوا هذه الحرمة وتبعهم بعض الأصوليين والفقهاء وإلا فلا يعرف لهم سلف في الأمة بذلك".
انظر مختصر الصواعق 2/504-5204، 2/473-475 بتصرف. [2] الفقه الأبسط ص51.