أما ما قيل عن أبي حنيفة إنه لما أراد طلب العلم أخذ يتخير بين العلوم ويوازن بينها؛ فهذه حكاية موضوعة لا تصح، كما ذكر ذلك الذهبي في السير [1].
والقصة رواها الخطيب عن أبي يوسف قال: "لما أردت طلب العلم؛ جعلت أتخير العلوم، وأسأل عن عواقبها؛ فقيل لي: تعلم القرآن، فقلت: إذا تعلمت القرآن وحفظته؛ فما يكون آخره؟ قالوا: تجلس في المسجد، ويقرأ عليك الصبيان والأحداث، ثم لا تلبث أن يخرج فيهم من هو أحفظ منك ـ أو يساويك ـ في الحفظ؛ فتذهب رياستك. قلت: فإن سمعت الحديث وكتبته حتى لم يكن في الدنيا أحفظ مني؟ قالوا: إذا كبرت وضعفت حدثت، واجتمع عليك الأحداث والصبيان، ثم لا تأمن أن تغلط فيرموك بالكذب، فيصير عارا عليك في عقبك، فقلت: لا حاجة لي في هذا. ثم قلت: أتعلم النحو. فقلت: إذا حفظت النحو والعربية، ما يكون آخر أمري؟ قالوا: تقعد معلما فأكثر رزقك ديناران إلى ثلاثة، قلت: وهذا لا عاقبة له، قلت: فإن نظرت في الشعر فلم يكن أحد أشعر مني، ما يكون من أمري؟ قالوا: تمدح هذا فيهب لك، أو يحملك على دابة، أو يخلع عليك خلعة، وإن حرمك هجوته، فصرت تقذف المحصنات. قلت: لا حاجة لي في هذا. قلت: فإن نظرت في الكلام ما يكون آخر أمري؟ قالوا: لا يسلم من نظر في الكلام من مشنَّعات الكلام فيرمى بالزندقة، فإما أن تؤخذ فتقتل، وإما أن تسلم؛ فتكون مذموما ملوما.
قلت: فإن تعلمت الفقه؟ قالوا: تسأل وتفتي الناس وتطلب للقضاء [1] 6/396.