ولابد لهم من نسبة إلى الإسلام يظهرون بها ما في قلوبهم، فالرافضة وحدهم لا يقوم أمرهم قط، كما أن اليهود لا يقوم أمرهم قط.
مدائن كثيرة من أهل السنة يقومون بدينهم ودنياهم لا يحوجهم الله سبحانه وتعالى إلى كافر ولا رافضي، والخلفاء الثلاثة فتحوا الأمصار وأظهروا الدين في مشارق الأرض ومغاربها ولم يكن معهم رافضي.
بل بنو أمية بعدهم مع انحراف كثير منهم عن عليّ وسب بعضهم له غلبوا على مدائن الإسلام كلها من مشرق الأرض إلى مغربها، وكان الإسلام في زمنهم أعز منه فيما بعد ذلك بكثير، ولم ينتظم بعد انقراض دولتهم العامة لما جاءتهم الدولة العباسية صار إلى الغرب عبد الرحمن الداخل إلى المغرب الذي يسمى «صقر قريش» واستولى هو ومن بعده على بلاد المغرب، وأظهروا الإسلام فيها وأقاموه، وقمعوا من يليهم من الكفار، وكانت لهم من السياسة في الدين والدنيا ما هو معروف عند الناس، وكانوا أبعد الناس عن مذاهب أهل العراق فضلاً عن أقوال الشيعة، وإنما كانوا على مذاهب أهل المدينة.
وكان أهل العراق على مذهب الأوزاعي وأهل الشام، وكانوا يعظمون مذهب أهل الحديث، وينصره بعضهم في كثير من الأمور، وهم من أبعد الناس عن مذهب الشيعة.
وقد صار إلى المغرب طوائف من الخوارج والروافض كما كان هؤلاء في المشرق وفي بلاد كثيرة من بلاد الإسلام، ولكن قواعد هذه المدائن لا تستمر على شيء من هذه المذاهب؛ بل إذا ظهر فيها شيء من هذه المذاهب مدة أقام الله ما بعث به محمدًا - صلى الله عليه وسلم - من الهدى ودين الحق يظهر على باطلهم.