وهكذا فإن أغلب مؤرخي الفرق يحكي عن المعتزلة اتفاقهم على قول واحد، أما أبو الحسن الأشعري فجعل آراءهم ستة. وبعد إمعان النظر في ذلك كله وجدت أن جميع الآراء التي ذكرها الأشعري بالإضافة إلى ما تقدم، ترجع في جملتها إلى رأيين اثنين لا ثالث لهما.
والخلاف في تعدد الآراء إنما يرجع إلى اللفظ لا إلى الحقيقة، وهذان الرأيان هما:
1 ـ إن الإيمان هو جميع الطاعات فرضها ونفلها، واجتناب الكبائر.
2 ـ إن الإيمان هو جميع الطاعات الفرض منها دون النفل، واجتناب الكبائر وقد ذكر هذين الرأيين القاضي عبد الجبار حيث قال: الإيمان عند أبي علي وأبي هاشم عبارة عن أداء الطاعات الفرائض دون النوافل، واجتناب المقبَّحات. وعند أبي الهذيل عبارة عن أداء الطاعات الفرائض منها والنوافل واجتناب المقبَّحات. قال المعلق: وهو الصحيح من المذهب الذي اختاره قاضي القضاة[1].
ورأي المعتزلة الذي تتفق عليه والذي يبدو واضحاً من التعريفين السالفين هو جعل الطاعات المفروضة من الإيمان وهذا هو بعينه مذهب الزيدية الذين يوافقونهم في هذا الباب[2]. والخلاف كما هو واضح ينحصر بينهم في النوافل هل هي داخلة في الإيمان أو لا. وحينما يعبرون بالطاعات فإنهم يقصدون الطاعات التي تصدر عن القلب، فطاعته اعتقاده وتصديقه، وعن اللسان وطاعته قوله الخير وتعبيره عما في قلبه، والعمل ببقية الجوارح [1] انظر: شرح الأصول الخمسة للقاضي عبد الجبار، تعليق الإمام أحمد بن الحسين بن أبي هاشم، وتحقيق الدكتور عثمان، ص707، ط1 مطبعة الاستقلال الكبرى، القاهرة، سنة 1384هـ ـ 1965م. [2] انظر: كتاب العقد الثمين في معرفة رب العالمين للعالم الزيدي الأمير الحسين بن بدر الدين المتوفى سنة 662هـ، ط1 مطبوعات دار مكتبة الحياة، بيروت، سنة 1392هـ ـ 1972م.