ويقول في كتاب ((المختصر في أصول الدين)) : " فإن قال: أفتقولون في الإيمان أنه يزيد وينقص؟ قيل له: نعم، لأن الإيمان كل واجب يلزم المكلف القيام به، والواجب على بعض المكلفين أكثر من الواجب على غيره، فهو يزيد وينقص من هذا الوجه. وقد وصف الله تعالى الصلاة بذلك فقال: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ} [1] كما وصفه ديناً فقال: {وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} [2]، وقال صلى الله عليه وسلم: " لا إيمان لمن لا أمانة له " و " لا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن " فجعل من الإيمان ترك السرقة، فبطل قول المرجئة في أن الإيمان قول فقط، أو قول واعتقاد، وأنه لا يزيد ولا ينقص وعلى هذا المذهب يصح تفاضل العباد في الإيمان، فيكون إيمان الرسول عليه السلام أعظم من إيمان غيره على قولنا، وعلى قولهم لا يصح " [3].
فإذاً مذهب المعتزلة هو القول بزيادة الإيمان ونقصه من ناحية التكاليف فالزيادة والنقصان عندهم شيئ نسبي بين المكلفين فذاك الشخص إيمانه أكثر من إيمان هذا لأن ذاك كُلِّف بشيئ زائد لم يكلف به الآخر، والآخر غير مؤاخذ على تركه لأنه لم يكلف به لعدم قدرته عليه، أو لوجود مانع يمنع من ذلك كالحيض للنساء، مثلاً، ومن هذا يتبين لنا أن الإنسان الواحد عندهم لا يتصور في إيمانه زيادة ولا نقصان إلا بالنسبة لغيره فالزيادة في كمِّ الإيمان لا في كيفه، لهذا فإنه يظهر من مذهبهم أنهم يوافقون المرجئة في القول بأن الإيمان القلبي لا يزيد ولا ينقص لأن التكليف فيه واحد على المكلفين جميعاً. ولهذا تبدو مخالفتهم للسلف في هذه المسألة من عدة وجوه:
1 ـ إن الزيادة والنقصان في الإيمان نسبية بين الأشخاص فزيد أكثر [1] البقرة: 143. [2] البينة: 5. [3] عبد الجبار بن أحمد، المختصر في أصول الدين، ضمن مجموعة رسائل العدل والتوحيد، تحقيق محمد عمارة، ج1 ص247، ط مؤسسة الهلال، سنة 1971م.