وكل هذا ليس إلا بحثاً في التسمية والمعاملة الدنيوية إذ أنهم ذهبوا هذا المذهب ليؤدي لهم غرضين في آنٍ واحدٍ.
الغرض الأول: هو القول بأن مرتكب الكبيرة يعامل في الدنيا كما يعامل بقية المسلمين فتجوز مناحكته، وموارثته، ودفنه في مقابر المسلمين، وغير ذلك من الأحكام الجارية عليه في الدنيا.
الغرض الثاني: هو القول بالتأبيد في النار ـ على ما سيأتي بعد ـ فإنهم لم يوصلوه في الوصف الدنيوي إلى درجة الكفر، حتى تجري عليه تلك الأحكام الدنيوية، وعزَّ عليهم أن يعطوه اسم الإيمان، لأنه في نظرهم لا بد وأن يدخل النار ليجازى بما عمل من السيئات، وداخل النار عندهم لا يخرج منها، والمؤمن لا يمكن أن يدخل النار في نظرهم.
ويزيد المسألة وضوحاً ما ذكره القاضي عبد الجبار من استدلال على هذا المعتقد حيث قال ما معناه: والذي يدل على الفصل الأول، وهو الكلام في أن صاحب الكبيرة لا يسمى مؤمناً، هو ما قد ثبت من أنه يستحق بارتكاب الكبيرة الذم واللعن والاستخفاف والإهانة، وثبت أن اسم المؤمن صار بالشرع اسماً لمن يستحق المدح والتعظيم والموالاة، فإذ قد ثبت هذان الأصلان، فلا إشكال في أن صاحب الكبيرة لا يجوز أن يسمى مؤمناً [1]. ثم ذكر بعد ذلك الأدلة على أن اسم المؤمن صار بالشرع اسماً لمن يستحق المدح والتعظيم كقوله تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ} [2] وقوله: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ} [3] إلى غير ذلك من الآيات.
أما الدليل على أن مرتكب الكبيرة لا يسمى كافراً فهو أنه جعل الكافر في الشرع اسماً لمن يستحق العقاب العظيم، ويختص بأحكام مخصوصة [1] عبد الجبار بن أحمد، المصدر المذكور آنفاً ص701، 702. [2] المؤمنون: 1. [3] الأنفال: 2.