فهذا دليل عقلي على أن الفاسق مصيره إلى النار، وأنه يفعل به ما يستحقه. وهناك دليل عقلي آخر ذكره القاضي عبد الجبار وهذا الدليل هو أن الله أمر ونهى، أي كلف الإنسان، ووعده وتوعده، وكل خلف بالوعد أو الوعيد نوع من الكذب لا يجوز على الله. ولو ثبت أنه يخلف وعيده ولا يعاقب الفاسقين لكان في ذلك إغراء له على فعل القبيح، إذ أن للمكلف أن يعصي ويتجاوز حدود الله، وهو مطمئن إلى أنه سيُغفر له [1].
أما الأدلة السمعية:
فقد استدلوا بعموم الآيات الواردة في الوعيد، ومن هذه الآيات التي هي مناط استدلالهم قوله تعالى: {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَاراً خَالِداً فِيهَا} [2].
ووجه الاستدلال: أن الله تبارك وتعالى أخبر أن العصاة يعذبون بالنار ويخلدون فيها، والعاصي اسم يتناول الفاسق والكافر جميعاً، فيجب حمله عليهما، لأنه تعالى لو أراد أحدهما دون الآخر لبيَّنه، فلما لم يبيِّنه دل على ما ذكرناه [3]. ومن ذلك قوله تعالى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا} [4]. ووجه الاستدلال: هو أنه تعالى يبين أن من يقتل مؤمناً عمداً جازاه وعاقبه وغضب عليه ولعنه، وفي ذلك ما قلناه[5]، أي أن ذلك يكون على سبيل الدوام كما هو مصرّح بذكر الخلود في الآية.
ومما استدل به المعتزلة أيضاً قوله تعالى: {إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ خَالِدُونَ} [6]. ووجه الاستدلال: أن المجرم اسم يتناول الكافر والفاسق [1] انظر: شرح الأصول الخمسة، ص650. [2] النساء: 14. [3] عبد الجبار بن أحمد، المصدر السابق ص657. [4] النساء: 93. [5] عبد الجبار بن أحمد، المصدر السابق ص660. [6] الزخرف: 74.