من جرد الكلام في أصول الفقه، لم يقسم هذ االتقسيم ولا تكلم بلفظ الحقيقة والمجاز … وكذلك سائر الأئمة، لم يوجد لفظ المجاز في كلام أحد منهم، إلا في كلام أحمد بن حنبل، فإنه قال في كتاب الرد على الجهمية في قوله (أنا ونحن) ونحو ذلك في القرآن، هذا من مجاز اللغة.
… وبهذا احتج على مذهبه من أصحابه من قال أن في القرآن مجازاً … والذين أنكروا أن يكون أحمد أو غيره نطقوا بهذا التقسيم، قالوا: ولم يرد أحمد بذلك أن اللفظ استعمل في غير ما وضع له …
ثم يقال ثانياً: هذا التقسيم لا حقيقة له، وليس لمن فرق بينهما حد صحيح، يميز بين هذا وهذا، فعلم أن هذا التقسيم باطل،وهو تقسيم من لم يتصور ما يقول، بل يتكلم بلا علم، فهم مبتدعة في الشرع، مخالفون للعقل وذلك أنهم قالوا: الحقيقة اللفظ المستعمل فيما وضع له، والمجاز: هو المستعمل في غير ما وضع له، فاحتاجوا إلى إثبات الوضع السابق على الاستعمال، وهذا يتعذر [1].
فمما تقدم نفهم أن السلف ينكرون أن يكون في القرآن مجاز، ولا حتى في اللغة، وعلى فرض وجوده فالقرآن يخلو منه. غير أني أقول: إن القرآن قد يشتمل على مجاز في بعض سوره، غير أن كل آية فيه تقرر عقيدة فإنها تدل عليها دلالة حقيقية، ودعوى المجاز في هذا النوع من نصوص القرآن دعوى باطلة، وإنما خطر الاختلاف في العقائد، كان منبعه حكاية المجاز، إذ جنى على العقيدة الإسلامية جناية كبيرة، وأحدث بين أهلها الفرقة في كثير من أفكارهم وتصوراتهم. ثم على فرض اشتمال القرآن ككل على مجاز ـ وهذا ما لا يقرّه السلف ولا كل ناشد للحقيقة فإنه لا بد من قرينة تصرفه عن ظاهر معناه الأصلي، ولا قرينة هنا يمكن أن نصرف بها النصوص السالفة الذكر عن ظاهر معناها الدال على أن الأعمال من الإيمان. ثم على فرض وجوده [1] انظر: كتاب الإيمان لا بن تيمية، ص72-80.