الإيمان باللسان نطقاً. أما الأعمال فقد تقدم بعض النصوص التي تدل أيضاً على أنها إيمان. وكلها أدلة شرعية يؤمن بها الجميع، فلا مجال لإنكارها أو تأويلها بغير ما تحتمل من معنى. أما أدلة المتكلمين على مذاهبهم فإن أكثر ما فيها أنها تدل على ذلك الجانب الذي أخذوا به، ولكنها لا تدل على إبعاد الجوانب الأخرى. أما ما ادعوه من الحصر، وظنوا أن أدلتهم ترشد إليه، فإن ذلك غير صحيح، ونبدأ أولاً بنقاش من قال بأن الإيمان هو التصديق فقط. وقد سبق بسط أدلتهم في مواضعها فلا داعي لإعادتها [1] وقد ذكر أدلتهم شيخ الإسلام ابن تيمية وقال بعدها: وللجمهور من أهل السنة وغيرهم عن هذا أجوبة. ثم ذكر أجوبة السلف التي نوجزها فيما يأتي:
1 ـ دعوى إجماع أهل اللغة على أن الإيمان قبل نزول القرآن هو التصديق، يقال: من نقل هذا الإجماع؟ ومن أين هذا الإجماع؟ وفي أي كتاب ذكر هذا الإجماع؟.
2 ـ أن يقال: أتعني بأهل اللغة نقلتها كأبي عمرو، والأصمعي، والخليل ونحوهم، أو المتكلمين بها؟ فإن عنيت الأول، فهؤلاء لا ينقلون كل ما كان قبل الإسلام بإسناد وإنما ينقلون ما سمعوه من العرب في زمانهم، وما سمعوه في دواوين الشعر وكلام العرب وغير ذلك بالإسناد، ولا نعلم فيما نقلوه لفظ الإيمان، فضلاً عن أن يكونوا أجمعوا عليه. وإن عنيت المتكلمين بهذا اللفظ قبل إلاسلام فهؤلاء لم نشهدهم ولا نقل لنا أحد عنهم ذلك.
3 ـ أنه لا يعرف عن هؤلاء جميعهم أنهم قالوا: الإيمان في اللغة هو التصديق بل ولا عن بعضهم، وإن قُدِّر أنه قاله واحد أو اثنان، فليس هذا إجماعاً.
4 ـ أن يقال: هؤلاء لا ينقلون عن العرب أنهم قالوا: معنى هذا اللفظ كذا وكذا، وحينئذٍ فلو قدّر أنهم نقلوا كلاماً عن العرب يفهم منه أن [1] انظر ما ساقه الباقلاني في ذلك عند بيان مذهب الأشاعرة، ص155،156 من هذا البحث.