القائل لذلك وإن كان تصديق القلب داخلاً في مراده، فليس مراده ذلك وحده بل مراده التصديق بالقلب واللسان، فإن مجرد تصديق القلب بدون اللسان لا يعلم حتى يخبر به عنه.
7 ـ أن يقال: من قال ذلك، فليس مراده التصديق بما يرجى ويخاف، بدون خوف ولا رجاء، بل يصدق بعذاب القبر ويخافه، ويصدق بالشفاعة ويرجوها، وإلا فلو صدق بأنه يعذب في قبره، ولم يكن في قلبه خوف من ذلك أصلاً لم يسموه مؤمناً به. كما أنهم لا يسمون مؤمناً بالجنة والنار إلا من رجا الجنة وخاف النار، دون المعرض عن ذلك بالكلية مع علمه بأنه حق. كما لا يسمون إبليس مؤمناً بالله، وإن كان مصدقاً بوجوده وربوبيته ولا يسمون فرعون مؤمناً، وإن كان عالماً بأن الله بعث موسى، وأنه هو الذي أنزل الآيات، وقد استيقنت بها أنفسهم مع جحدهم لها بألسنتهم ولا يسمون اليهود مؤمنين بالقرآن والرسول، وإن كانوا يعرفون أنه حق، كما يعرفون أبناءهم. فلا يوجد قط في كلام العرب أن من علم وجود شيئ مما يخاف ويرجى، ويجب حبه وتعظيمه، وهو مع ذلك لا يحبه ولا يعظمه ولا يخافه ولا يرجوه بل يجحد به ويكذب بلسانه، أنهم يقولون: هو مؤمن به، بل ولو عرفه بقلبه، وكذب به بلسانه، لم يقولوا: هو مصدق به. ولو صدق به مع العمل بخلاف مقتضاه، لم يقولوا: هو مؤمن به. فلا يوجد في كلام العرب شاهد واحد يدل على ما ادعوه. وقوله: {وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا} فإن هذا استدلال بالقرآن، وليس في الآية ما يدل على أن المصدق مرادف للمؤمن، فإن صحة المعنى بأحد اللفظين لا يدل على أنه مرادف للآخر.
8 ـ قوله: لا يعرفون في اللغة إيماناً غير ذلك. من أين له هذا النفي الذي لا تمكن الإحاطة به؟ بل هو قول بلا علم.
9 ـ أنه لو فرض أن الإيمان في اللغة التصديق، فمعلوم أن الإيمان