المذهب يقول شارح ((العقيدة الطحاوية)) : " … لازمه أن فرعون وقومه كانوا مؤمنين، فإنهم عرفوا صدق موسى وهارون عليهما الصلاة والسلام ولم يؤمنوا بهما، ولهذا قال موسى لفرعون: {قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ} [1] وقال تعالى: {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ} [2] وأهل الكتاب كانوا يعرفون النبي صلى الله عليه وسلم كما يعرفون أبناءهم، ولم يكونوا مؤمنين به، بل كافرين به، معادين له، وكذلك أبو طالب عنده يكون مؤمناً فإنه قال:
ولقد علمت بأن دين محمد ... لولا الملامة أو حذار مسبَّة
من خير أديان البرية دينا ... لوجدتني سمحاً بذاك أمينا
بل إبليس يكون عند الجهم مؤمناً كامل الإيمان! فإنه لم يجهل ربه، بل هو عارف به: {قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} [3]،: {قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي} [4]،: {قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ} [5]، والكفر عند الجهم هو الجهل بالرب تعالى ولا أحد أجهل منه بربه فإنه جعله الوجود المطلق، وسلب عنه جميع صفاته ولا جهل أكبر من هذا، فيكون كافراً بشهادته على نفسه " [6].
فهذه إلزامات أوردها شارح ((العقيدة الطحاوية)) على مذهب الجهم، وهي إلزامات تؤدي إلى فساد مذهبه بوضوح لأن القول الذي يؤدي إليها وهي فسادة لا يسعه إلا الالتزام بها فيكون كافراً لا ريب، أو ينكرها، ولا يمكن انفصال مذهبه عنها فيكون مذهبه فاسداً بالضرورة. [1] الإسراء:102. [2] النمل:14. [3] الحجر: 36. [4] الحجر: 39. [5] ص: 82. [6] شرح العقيدة الطحاوية، ص373-374، ط المكتب الإسلامي للطباعة والنشر، بيروت.