المذنب باسم الإيمان، كقوله تعالى: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا} وقوله سبحانه في شأن حاطب بن أبي بلتعة: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ …} فسمى الطائفتين مؤمنين مع اقتتالهم وخاطب حاطباً باسم الإيمان مع ارتكابه لتلك الفعلة الشنيعة بمحاولة إخبار قريش بمسير النبي صلى الله عليه وسلم إليهم. وقال عليه السلام: " إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار … " إلى غير ذلك من النصوص التي تخاطب العصاة باسم الإيمان، فهل لنا أن نخالف هذه النصوص الصريحة فنحكم بخلافها، فهي تدل على أن العاصي مؤمن وأنه يشتمل على وجهين أحدهما مذموم والآخر ممدوح. فالمذموم العصيان الذي وقع منه، والممدوح ما فيه من إيمان، فيُعطى ما له، ويُدان بما عليه، فله اسم الإيمان، والمعصية لا تطغى على إيمانه، فتذهبه كلية، بل تؤثر فيه بالنقصان، فيبقى مؤمناً بإيمانه، فاسقاً بمعصيته ومسألة المنزلة بين المنزلتين التي قال بها المعتزلة لا أصل لها، ولا دليل عليها والذي حملهم على تبنيها، ما يعرفونه ويقرُّون به من أن العاصي معه أوجه من الخير لا يستطيعون أن يكفروه مع وجودها فيه، وعز عليهم إبقاء إيمانه، مع أن النصوص السالفة الذكر وغيرها واضحة الدلالة على وجوب تسميته مؤمناً.
أما مذهب الخوارج في القول بكفر مرتكب الذنب وخروجه من ملة الإسلام ابتداءً فهو قول شنيع، وفيه جرأة لا نظير لها ـ وبطلانه أوضح من أن يُدلَّل عليه بدليل. ومع شناعته، وفظاعته، فإن قولهم بتكفير صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم أشنع وأفظع وهؤلاء قوم عصمنا الله سبحانه وتعالى من الاشتراك في سفك دمائهم، وإثارة الفتن بينهم، فيجب علينا الذب عنهم بكل ما أوتينا من حجة، لأنهم صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلى أيديهم أظهر الله هذا الدين، وعم بقاع الأرض وساد العدل والوئام ـ وقد قال فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا تسبوا أصحابي، فوالذي نفسي بيده لو أنفق أحدكم مثل أُحدٍ ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه ".