الاعتبار، بل جوزوه باعتبار أن الأعمال جزء منه كما تقدم أيضاً، والأعمال لا يستطيع الإنسان أن يجزم باستكمالها فيعلق الإيمان بهذا الاعتبار. وفي بيان مخالفة مأخذ الأشاعرة في جواز الاستثناء في الإيمان لما عليه السلف يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: ثم أكثر المتأخرين الذين نصروا قول جهم يقولون بالاستثناء في الإيمان، ويقولون: الإيمان في الشرع: ما يوافي به العبد ربه وإن كان في اللغة أعم من ذلك، فجعلوا في مسألة الاستثناء مسمى الإيمان ما ادعوا أنه مسماه في الشرع وعدلوا عن اللغة، فهلا فعلوا هذا في الأعمال، ودلالة الشرع على أن الأعمال الواجبة من تمام الإيمان لا تحصى كثرة، بخلاف دلالته على أنه لا يسمى إيماناً، إلا ما مات الرجل عليه، فإنه ليس في الشرع ما يدل على هذا، وهو قول محدث، لم يقله أحد من السلف، لكن هؤلاء ظنوا أن الذين استثنوا في الإيمان من السلف كان هذا مأخذهم.
وعلى كل حال، فالسلف لا يجوزون الاستثناء في الإيمان عن شك فيه، فالإنسان يستثني في إيمانه إذا سئل عنه قاصداً تجنب تزكية نفسه بادعاء استكمال الإيمان، لأنه عبارة عن تصديق قلبي وأعمال، والأعمال لا يستطيع الإنسان ادعاء استكماله لها، وإلا فإن الإنسان قاطع بتصديقه القلبي. غير أن الاستثناء ورد في النصوص فيما هو مقطوع به أيضاً، وتحريم الاستثناء كلية بدعوى أنه شك لا يصح، لأن ذلك إذا صح فإن معناه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان شاكاً حين قال في تسليمه على الموتى: " … إنا إن شاء الله بكم لاحقون "، وهذا ما لا يقوله مسلم. فالاستثناء جائز باعتبار الأعمال، لا في الاعتقاد القلبي، ولا في القول اللساني. وكما تقدم فإن السلف يكرهون الجواب عن سؤال أمؤمن أنت بالإطلاق لأن فيه ادعاء استكمال الإيمان وتزكية للنفس، وهذا ادعاء غير لائق وتزكية لا تجوز لقوله تعالى: {فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ} كما أن السلف كرهوا إيراد مثل هذا السؤال أصلاً.
ابن تيمية، كتاب الإيمان، ص120-121.